كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(٢٦)
في نهاية الدرس الماضي ، ذكر الله المسلمين بميثاقهم الذي واثقهم به ؛ وذكرهم نعمته التي أنعم بها عليهم في هذا الميثاق. ذلك كي يؤدوا من جانبهم ما استحفظوا عليه ؛ ويتقوا أن ينقضوا ميثاقهم معه.
فالآن يستغرق هذا الدرس كله في استعراض مواقف أهل الكتاب من مواثيقهم ؛ واستعراض ما حل بهم من العقاب نتيجة نقضهم لهذه المواثيق ؛ لتكون هذه ـ من جانب ـ تذكرة للجماعة المسلمة ماثلة من بطون التاريخ ، ومن واقع أهل الكتاب قبلهم ، وليكشف الله ـ من جانب ـ عن سنته التي لا تتخلف ولا تحابي أحدا. ومن الجانب الثالث ليكشف عن حقيقة أهل الكتاب وحقيقة موقفهم ؛ وذلك لإبطال كيدهم في الصف المسلم ؛ وإحباط مناوراتهم ومؤامراتهم ؛ التي يلبسونها ثوب التمسك بدينهم ؛ وهم في الحقيقة قد نقضوا هذا الدين من قبل ؛ ونقضوا ما عاهدوا الله عليه ..
ويحتوي هذا الدرس على استعراض ميثاق الله مع قوم موسى ، عند إنقاذهم من الذل في مصر ؛ ثم نقضهم لهذا الميثاق ؛ وما حاق بهم نتيجة نقضهم له ؛ وما أصابهم من اللعنة والطرد من مجال الهدى والنعمة .. وعلى استعراض ميثاق الله مع الذين قالوا : إنا نصارى. ونتيجة نقضهم له من إغراء العداوة بين فرقهم المختلفة إلى يوم القيامة. ثم على استعراض موقف اليهود أمام الأرض المقدسة التي أعطاهم الله ميثاقه أن يدخلوها ، فنكصوا على أعقابهم وجبنوا عن تكاليف ميثاق الله معهم. وقالوا لموسى «فاذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا هاهنا قاعدون» ..
ويتخلل هذا الاستعراض للمواثيق ومواقف أهل الكتاب منها ، كشف لما وقع في عقائد اليهود والنصارى من انحراف نتيجة نقضهم لهذه المواثيق ؛ التي عاهدهم الله فيها على توحيده والإسلام له ؛ في مقابل ما أعطاهم من النعم ، وما ضمن لهم من التمكين ؛ فأبوا ذلك كله على أنفسهم ؛ فباءوا باللعنة والفرقة والتشريد ..