وبدأت هذه الآثار تظهر في أمريكا والسويد وانجلترا ، وغيرها من دول الحضارة الحديثة.
وقد ظهرت آثار هذه الفوضى في فرنسا مبكرة ، مما جعلها تركع على أقدامها في كل حرب خاضتها منذ سنة ١٨٧٠ إلى اليوم ، وهي في طريقها إلى الانهيار التام ، كما تدل جميع الشواهد. وهذه بعض الأمارات التي أخذت تبدو واضحة من بعد الحرب العالمية الأولى :
«إن أول ما قد جر على الفرنسيين تمكن الشهوات منهم : اضمحلال قواهم الجسدية ، وتدرجها إلى الضعف يوما فيوما. فإن الهياج الدائم قد أو هن أعصابهم ؛ وتعبد الشهوات يكاد يأتي على قوة صبرهم وجلدهم ؛ وطغيان الأمراض السرية قد أجحف بصحتهم. فمن أوائل القرن العشرين لا يزال حكام الجيش الفرنسي يخفضون من مستوى القوة والصحة البدنية المطلوب في المتطوعة للجند الفرنسي ، على فترة كل بضع سنين. لأن عدد الشبان الوافين بالمستوى السابق من القوة والصحة لا يزال يقل ويندر في الأمة على مسير الأيام .. وهذا مقياس أمين ، يدلنا كدلالة مقياس الحرارة ـ في الصحة والتدقيق ـ على كيفية اضمحلال القوى الجسدية في الأمة الفرنسية (١). ومن أهم عوامل هذا الاضمحلال : الأمراض السرية الفتاكة. يدل على ذلك أن كان عدد الجنود الذين اضطرت الحكومة إلى أن تعفيهم من العمل ، وتبعث بهم إلى المستشفيات ، في السنتين الأوليين من سني الحرب العالمية الأولى ، لكونهم مصابين بمرض الزهري ، خمسة وسبعين ألفا. وابتلي بهذا المرض وحده ٢٤٢ جنديا في آن واحد في ثكنة متوسطة. وتصور ـ بالله ـ حال هذه الأمة البائسة في الوقت الذي كانت فيه ـ بجانب ـ في المضيق الحرج بين الحياة والموت ، فكانت أحوج ما تكون إلى مجاهدة كل واحد من أبنائها المحاربين لسلامتها وبقائها. وكان كل فرنك من ثروتها مما يضن به ويوفر ؛ وكانت الحال تدعو إلى بذل أكثر ما يمكن من القوة والوقت وسائر الأدوات والوسائل في سبيل الدفاع. وكان ـ بجانب آخر ـ أبناؤها الشباب الذين تعطل آلاف منهم عن أعمال الدفاع ، من جراء انغماسهم في اللذات ؛ وما كفى أمتهم ذلك خسرانا ، بل ضيعوا جانبا من ثروة الأمة ووسائلها في علاجهم ، في تلك الأوضاع الحرجة.
«يقول طبيب فرنسي نطاسي يدعى الدكتور ليريه : إنه يموت في فرنسا ثلاثون ألف نسمة بالزهري ، وما يتبعه من الأمراض الكثيرة في كل سنة. وهذا المرض هو أفتك الأمراض بالأمة الفرنسية بعد حمى «الدق». وهذه جريرة مرض واحد من الأمراض السرية التي فيها عدا هذا أمراض كثيرة أخرى (٢)».
والأمة الفرنسية يتناقص تعدادها بشكل خطير : ذلك أن سهولة تلبية الميل الجنسي ، وفوضى العلاقات الجنسية والتخلص من الأجنة والمواليد ، لا تدع مجالا لتكوين الأسرة ، ولا لاستقرارها ولا لاحتمال تبعة الأطفال الذين يولدون من الالتقاء الجنسي العابر. ومن ثم يقل الزواج ، ويقل التناسل ، وتتدحرج فرنسا منحدرة إلى الهاوية.
«سبعة أو ثمانية في الألف هو معدل الرجال والنساء الذين يتزوجون في فرنسا اليوم. ولك أن تقدر من هذا المعدل المنخفض كثرة النفوس التي لا تتزوج من أهاليها. ثم هذا النزر القليل من الذين يعق دون الزواج ، قل فيهم من ينوون به التحصن والتزام المعيشة البرة الصالحة بل هم يقصدون به كل غرض سوى هذا الغرض. حتى إنه كثيرا ما يكون من مقاصد زواجهم أن يحللوا به الولد النغل الذي قد ولدته أمه قبل النكاح! ويتخذوه
__________________
(١) مثل ذلك يقع الآن في أمريكا حيث لا يصلح للجندية ستة من كل سبعة ممن هم في سن التجنيد. وسنة الله لا تتخلف.
(٢) كتاب الحجاب للسيد أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان ص ١١٣ ـ ١١٤.