اجتماعي .. يريدون أن ينطلق السعار الجنسي المحموم بلا حاجز ولا كابح ، من أي لون كان. السعار المحموم الذي لا يقر معه قلب ، ولا يسكن معه عصب ، ولا يطمئن معه بيت ، ولا يسلم معه عرض ، ولا تقوم معه أسرة. يريدون أن يعود الآدميون قطعانا من البهائم ، ينزو فيها الذكران على الإناث بلا ضابط إلا ضابط القوة أو الحيلة أو مطلق الوسيلة! كل هذا الدمار ، وكل هذا الفساد ، وكل هذا الشر باسم الحرية ، وهي ـ في هذا الوضع ـ ليست سوى اسم آخر للشهوة والنزوة!
وهذا هو الميل العظيم الذي يحذر الله المؤمنين إياه ، وهو يحذرهم ما يريده لهم الذين يتبعون الشهوات. وقد كانوا يبذلون جهدهم لرد المجتمع المسلم إلى الجاهلية في هذا المجال الأخلاقي ، الذي تفوقوا فيه وتفردوا بفعل المنهج الإلهي القويم النظيف. وهو ذاته ما تريده اليوم الأقلام الهابطة والأجهزة الموجهة لتحطيم ما بقي من الحواجز في المجتمع دون الانطلاق البهيمي ، الذي لا عاصم منه ، إلا منهج الله ، حين تقره العصبة المؤمنة في الأرض إن شاء الله.
* * *
واللمسة الأخيرة في التعقيب تتولى بيان رحمة الله بضعف الإنسان ، فيما يشرعه له من منهج وأحكام. والتخفيف عنه ممن يعلم ضعفه ، ومراعاة اليسر فيما يشرع له ، ونفي الحرج والمشقة والضرر والضرار.
(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ، وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) ..
فأما في هذا المجال الذي تستهدفه الآيات السابقة ، وما فيها من تشريعات وأحكام وتوجيهات ، فإرادة التخفيف واضحة ؛ تتمثل في الاعتراف بدوافع الفطرة ، وتنظيم الاستجابة لها وتصريف طاقتها في المجال الطيب المأمون المثمر ، وفي الجو الطاهر النظيف الرفيع ؛ دون أن يكلف الله عباده عنتا في كبتها حتى المشقة والفتنة ؛ ودون أن يطلقهم كذلك ينحدرون في الاستجابة لها بغير حد ولا قيد.
وأما في المجال العام الذي يمثله المنهج الإلهي لحياة البشر كلها فإرادة التخفيف تبدو كذلك واضحة ؛ بمراعاة فطرة الإنسان ، وطاقته ، وحاجاته الحقيقية ؛ وإطلاق كل طاقاته البانية. ووضع السياج الذي يقيها التبدد وسوء الاستعمال!
وكثيرون يحسبون أن التقيد بمنهج الله ـ وبخاصة في علاقات الجنسين ـ شاق مجهد. والانطلاق مع الذين يتبعون الشهوات ميسر مريح! وهذا وهم كبير ... فإطلاق الشهوات من كل قيد ؛ وتحري اللذة ـ واللذة وحدها ـ في كل تصرف ؛ وإقصاء «الواجب» الذي لا مكان له إذا كانت اللذة وحدها هي الحكم الأول والأخير ؛ وقصر الغاية من التقاء الجنسين في عالم الإنسان على ما يطلب من مثل هذا الالتقاء في عالم البهائم ؛ والتجرد في علاقات الجنسين من كل قيد أخلاقي ، ومن كل التزام اجتماعي .. إن هذه كلها تبدو يسرا وراحة وانطلاقا. ولكنها في حقيقتها مشقة وجهد وثقلة. وعقابيلها في حياة المجتمع ـ بل في حياة كل فرد ـ عقابيل مؤذية مدمرة ماحقة ..
والنظر إلى الواقع في حياة المجتمعات التي «تحررت!» من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة ، يكفي لإلقاء الرعب في القلوب. لو كانت هنالك قلوب!
لقد كانت فوضى العلاقات الجنسية هي المعول الأول الذي حطم الحضارات القديمة. حطم الحضارة الإغريقية وحطم الحضارة الرومانية وحطم الحضارة الفارسية. وهذه الفوضى ذاتها هي التي أخذت تحطم الحضارة الغربية الراهنة ؛ وقد ظهرت آثار التحطيم شبه كاملة في انهيارات فرنسا التي سبقت في هذه الفوضى ؛