آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ـ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ـ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) ..
كان بعضهم في الجاهلية العربية ـ قبل أن ينتشل الإسلام العرب من هذه الوهدة ويرفعهم إلى مستواه الكريم ـ إذا مات الرجل منهم فأولياؤه أحق بامرأته ، يرثونها كما يرثون البهائم والمتروكات! إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها وأخذوا مهرها ـ كما يبيعون البهائم والمتروكات! ـ وإن شاءوا عضلوها وأمسكوها في البيت. دون تزويج ، حتى تفتدي نفسها بشيء ..
وكان بعضهم إذا توفي عن المرأة زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه ، فمنعها من الناس ، وحازها كما يحوز السلب والغنيمة! فإن كانت جميلة تزوجها ؛ وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها ، أو تفتدي نفسها منه بمال! فأما إذا فاتته فانطلقت إلى بيت أهلها قبل أن يدركها فيلقي عليها ثوبه ، فقد نجت وتحررت وحمت نفسها منه!
وكان بعضهم يطلق المرأة ، ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد ؛ حتى تفتدي نفسها منه ، بما كان أعطاها .. كله أو بعضه!
وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا امرأته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها!
وكان الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها ، فيحبسها عن الزواج ، حتى يكبر ابنه الصغير ليتزوجها ، ويأخذ مالها!
وهكذا. وهكذا. مما لا يتفق مع النظرة الكريمة التي ينظر بها الإسلام لشقي النفس الواحدة ؛ ومما يهبط بإنسانية المرأة وإنسانية الرجل على السواء .. ويحيل العلاقة بين الجنسين علاقة تجار ، أو علاقة بهائم!
ومن هذا الدرك الهابط رفع الإسلام تلك العلاقة إلى ذلك المستوي العالي الكريم ، اللائق بكرامة بني آدم ، الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير من العالمين. فمن فكرة الإسلام عن الإنسان ، ومن نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية ، كان ذلك الارتفاع ، الذي لم تعرفه البشرية إلا من هذا المصدر الكريم (١).
حرم الإسلام وراثة المرأة كما تورث السلعة والبهيمة ، كما حرم العضل الذي تسامه المرأة ، ويتخذ أداة للإضرار بها ـ إلا في حالة الإتيان بالفاحشة ، وذلك قبل أن يتقرر حد الزنا المعروف ـ وجعل للمرأة حريتها في اختيار من تعاشره ابتداء أو استئنافا. بكرا أم ثيبا مطلقة أو متوفى عنها زوجها. وجعل العشرة بالمعروف فريضة على الرجال ـ حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ما لم تصبح العشرة متعذرة ـ ونسم في هذه الحالة نسمة الرجاء في غيب الله وفي علم الله. كي لا يطاوع المرء انفعاله الأول ، فيبت وشيجة الزوجية العزيزة. فما يدريه أن هنالك خيرا فيما يكره ، هو لا يدريه. خيرا مخبوءا كامنا ، لعله إن كظم انفعاله واستبقى زوجه سيلاقيه :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ، وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ ـ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ، وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ..
وهذه اللمسة الأخيرة في الآية ، تعلق النفس بالله ، وتهدئ من فورة الغضب ، وتفثأ من حدة الكره ،
__________________
(١) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته. «دار الشروق».