هذه الآيات الثلاث تتضمن أصول علم الفرائض ـ أي علم الميراث ـ أما التفريعات فقد جاءت السّنة ببعضها نصا ، واجتهد الفقهاء في بقيتها تطبيقا على هذه الأصول. وليس هنا مجال الدخول في هذه التفريعات والتطبيقات فمكانها كتب الفقه ـ فنكتفي ـ في ظلال القرآن ـ بتفسير هذه النصوص ، والتعقيب على ما تتضمنه من أصول المنهج الإسلامي ..
(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ..) ..
وهذا الافتتاح يشير ـ كما ذكرنا ـ إلى الأصل الذي ترجع إليه هذه الفرائض ، وإلى الجهة التي صدرت منها ، كما يشير إلى أن الله أرحم بالناس من الوالدين بالأولاد ، فإذا فرض لهم فإنما يفرض لهم ما هو خير مما يريده الوالدون بالأولاد ..
وكلا المعنيين مرتبطان ومتكاملان ..
إن الله هو الذي يوصي ، وهو الذي يفرض ، وهو الذي يقسم الميراث بين الناس ـ كما أنه هو الذي يوصي ويفرض في كل شيء ، وكما أنه هو الذي يقسم الأرزاق جملة ـ ومن عند الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين ، وعن الله يتلقى الناس في أخص شؤون حياتهم ـ وهو توزيع أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم ـ وهذا هو الدين. فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شؤون حياتهم كلها من الله وحده ؛ وليس هناك إسلام ، إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور ـ جل أو حقر ـ من مصدر آخر. إنما يكون الشرك أو الكفر ، وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس.
وإن ما يوصي به الله ، ويفرضه ، ويحكم به في حياة الناس ـ ومنه ما يتعلق بأخص شؤونهم ، وهو قسمة أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم ـ لهو أبر بالناس وأنفع لهم ، مما يقسمونه هم لأنفسهم ، ويختارونه لذرياتهم .. فليس للناس أن يقولوا : إنما نختار لأنفسنا. وإنما نحن أعرف بمصالحنا .. فهذا ـ فوق أنه باطل ـ هو في الوقت ذاته توقح ، وتبجح ، وتعالم على الله ، وادعاء لا يزعمه إلا متوقح جهول!
قال العوفي عن ابن عباس : ((يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) .. وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض ، للولد الذكر ، والأنثى ، والأبوين ، كرهها الناس ـ أو بعضهم ـ وقالوا : تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير. وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ، ولا يجوز الغنيمة! اسكتوا عن هذا الحديث ، لعل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ينساه ، أو نقول له فيغير! فقالوا : يا رسول الله ، تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم. ويعطى الصبي الميراث ، وليس يغني شيئا ـ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، ولا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر) .. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ..
فهذا كان منطق الجاهلية العربية ، الذي كان يحيك في بعض الصدور اليوم ـ وهي تواجه فريضة الله وقسمته العادلة الحكمية .. ومنطق الجاهلية الحاضرة الذي يحيك في بعض الصدور اليوم ـ وهي تواجه فريضة الله وقسمته ـ لعله يختلف كثيرا أو قليلا عن منطق الجاهلية العربية. فيقول : كيف نعطي المال لمن لم يكد فيه ويتعب من الذراري؟ وهذا المنطق كذاك .. كلاهما لا يدرك الحكمة ، ولا يلتزم الأدب ؛ وكلاهما يجمع من ثم بين الجهالة وسوء الأدب!
(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ..
وحين لا يكون للميت وارث إلا ذريته من ذكور وإناث ، فإنهم يأخذون جميع التركة ، على أساس أن