ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف .. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا
رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. فدعانا إلى الله وحده لنوحده ونعبده
، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق
الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء.
ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن
نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ..
ومن أرجاسها ما
حكته عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهي تصور أنواع الاتصال بين الجنسين في الجاهلية كما
جاء في صحيح البخاري ، في هذه الصورة الهابطة الحيوانية المزرية :
«إن النكاح في
الجاهلية كان على أربعة أنحاء. فنكاح منها نكاح الناس اليوم : يخطب الرجل إلى
الرجل وليته أو بنته ، فيصدقها ، ثم ينكحها .. والنكاح الآخر كان الرجل يقول
لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه! ويعتزلها ولا يمسها
أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه! فإذا تبين حملها أصابها زوجها
إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الرجل! فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع ..
ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة ، فيدخلون على المرأة ، كلهم يصيبها. فإذا
حملت ووضعت ، ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رجل منهم
أن يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها ، تقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم ، وقد
ولدت. فهو ابنك يا فلان. تسمي من أحبت منهم باسمه ، فيلحق به ولدها. ولا يستطيع أن
يمتنع منه الرجل! والنكاح الرابع : يجتمع الناس الكثير ، فيدخلون على المرأة لا
تمتنع ممن جاءها ـ وهن البغايا ، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما ـ فمن
أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها ، جمعوا لها ، ودعوا لهم القافة ،
ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاطه ، ودعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك!» ..
ودلالة هذه
الصورة على هبوط التصور الإنساني وبهيميته لا تحتاج إلى تعليق. ويكفي تصور الرجل ،
وهو يرسل امرأته إلى «فلان» لتأتي له منه بولد نجيب. تماما كما يرسل ناقته أو فرسه
أو بهيمته إلى الفحل النجيب ، لتأتي له منه بنتاج جيد!
ويكفي تصور
الرجال ـ ما دون العشرة! ـ يدخلون إلى المرأة مجتمعين ـ «كلهم يصيبها!» .. ثم
تختار هي أحدهم لتلحق به ولدها!
أما البغاء ـ وهو
الصورة الرابعة ـ فهو البغاء! يزيد عليه إلحاق نتاجه برجل من البغاة! لا يجد في
ذلك معرة! ولا يمتنع من ذلك!
إنه الوحل.
الذي طهر الإسلام منه العرب. وزكاهم. وكانوا ـ لو لا الإسلام ـ غارقين إلى الأذقان
فيه! ولم يكن هذا الوحل في العلاقات الجنسية إلا طرفا من النظرة الهابطة إلى
المرأة في الجاهلية. يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه القيم : «ماذا خسر
العالم بانحطاط المسلمين» :
«وكانت المرأة
في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف ، تؤكل حقوقها ، وتبتز أموالها ، وتحرم من إرثها
، وتعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من أن تنكح زوجا ترضاه ، وتورث كما يورث المتاع أو الدابة . عن ابن عباس قال : «كان الرجل إذا مات أبوه أو حموه ،
فهو أحق بامرأته ، إن شاء أمسكها أو يحبسها حتى
__________________