اضطراب المعركة ، عقب تخلي الرماة عن أماكنهم ، وإحاطة الكفار بالمسلمين ، والصيحة بأن محمدا قتل ، وما صنعته في صفوف المسلمين وعزائمهم.
وفي هذه الغمرة التي يطيش فيها الحليم كانت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية تقاتل عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قتالا شديدا. وقد ضربت عمر بن قميثة بسيفها ضربات عدة ، ولكن وقته درعان كانتا عليه. وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا شديدا على عاتقها ..
وكان أبو دجانة يترّس بظهره على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والنبل يقع فيه ، وهو لا يتحرك ، ولا يكشف رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وكان طلحة بن عبيد الله يثوب سريعا إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويقف دونه وحده ، حتى يصرع .. في صحيح ابن حبان عن عائشة قالت : قال أبو بكر الصديق : لما كان يوم أحد ، انصرف الناس كلهم عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فكنت أول من فاء إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فرأيت بين يديه رجالا يقاتل عنه ويحميه. قلت : كن طلحة! فداك أبي وأمي! كن طلحة! فداك أبي وأمي! فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح. وإذا هو يشتد كأنه طير ، حتى لحقني ، فدفعنا إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فإذا طلحة بين يديه صريعا. فقال صلىاللهعليهوسلم : «دونكم أخاكم فقد أوجب». وقد رمي النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في وجنته ، حتى غابت حلقة من حلق المغفر في وجنته. فذهبت لأنزعها عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال أبو عبيدة : نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني! قال : فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه ، فجعل ينضنضه كراهة أن يؤذي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم استل السهم بفيه ، فندرت ثنية أبي عبيدة. قال أبو بكر : ثم ذهبت لآخذ الآخر ، فقال أبو عبيدة : نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني! قال : فأخذه ، فجعل ينضنضه حتى استله ، فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى .. ثم قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «دونكم أخاكم فقد أوجب» قال : فأقبلنا على طلحة نعالجه. وقد أصابته بضع عشرة ضربة.
وجاء علي ـ كرم الله وجهه ـ بالماء لغسل جرح رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فكان يصب الماء على الجرح ، وفاطمة ـ رضي الله عنها ـ تغسله. فلما رأت أن الدم لا يكف ، أخذت قطعة من حصير ، فأحرقتها ، فألصقتها بالجرح فاستمسك الدم.
وقد مصّ مالك والد أبي سعيد الخدري جرح رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى أنقاه. فقال له : «مجه» فقال : والله لا أمجه أبدا! ثم ذهب ، فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» ..
وفي صحيح مسلم أنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش. فلما رهقوه قال : «من يردهم عني وله الجنة؟» فتقدم رجل من الأنصار ، فقاتل حتى قتل. ثم رهقوه فقال : «من يردهم عني فله الجنة وهو رفيقي في الجنة» .. فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ما أنصفنا أصحابنا» .. ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عنه. وترس عليه أبو دجانة بظهره كما أسلفنا ، حتى انجلت الكربة .. وقد بلغ الإعياء برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه وهو يصعد الجبل والمشركون يتبعونه أراد أن يعلو صخرة فلم يستطع لما به ، فجلس طلحة تحته حتى صعدها. وحانت الصلاة. فصلى بهم جالسا.
ومن أحداث هذا اليوم كذلك :