والحكم الثاني
عشر حكم المتعة للمتوفى عنها زوجها وللمطلقة. ويرد فيه : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ..
والتعقيب العام
على هذه الأحكام : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ
اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ..
إنها العبادة
.. عبادة الله في الزواج ، وعبادته في المباشرة والإنسال. وعبادته في الطلاق
والانفصال. وعبادته في العدة والرجعة. وعبادته في النفقة والمتعة. وعبادته في
الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان. وعبادته في الافتداء والتعويض. وعبادته في
الرضاع والفصال .. عبادة الله في كل حركة وفي كل خطرة .. ومن ثم يجيء ـ بين هذه
الأحكام ـ حكم الصلاة في الخوف والأمن : (حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ. فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ، فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ
ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) .. يجيء هذا الحكم في ثنايا تلك الأحكام ؛ وقبل أن
ينتهي منها السياق. وتندمج عبادة الصلاة في عبادات الحياة ، الاندماج الذي ينبثق
من طبيعة الإسلام ، ومن غاية الوجود الإنساني في التصور الإسلامي. ويبدو السياق
موحيا هذا الإيحاء اللطيف .. إن هذه عبادات. وطاعة الله فيها من جنس طاعته في
الصلاة. والحياة وحدة والطاعات فيها جملة. والأمر كله من الله. وهو منهج الله
للحياة ..
والظاهرة
الملحوظة في هذه الأحكام أنها في الوقت الذي تمثل العبادة ، وتنشئ جو العبادة
وتلقي ظلال العبادة .. لا تغفل ملابسة واحدة من ملابسات الحياة الواقعية ،
وملابسات فطرة الإنسان وتكوينه ، وملابسات ضروراته الواقعة في حياته هذه على
الأرض.
إن الإسلام
يشرع لناس من البشر ، لا لجماعة من الملائكة ، ولا لأطياف مهومة في الرؤى المجنحة!
ومن ثم لا ينسى ـ وهو يرفعهم إلى جو العبادة بتشريعاته وتوجيهاته ـ أنهم بشر ،
وأنها عبادة من بشر .. بشر فيهم ميول ونزعات ، وفيهم نقص وضعف ، وفيهم ضرورات
وانفعالات ، ولهم عواطف ومشاعر ، وإشراقات وكثافات .. والإسلام يلاحظها كلها ؛
ويقودها جملة في طريق العبادة النظيف ، إلى مشرق النور الوضيء ، في غير ما تعسف
ولا اصطناع. ويقيم نظامه كله على أساس أن هذا الإنسان إنسان!
ومن ثم يقرر
الإسلام جواز الإيلاء. وهو العزم على الامتناع عن المباشرة فترة من الوقت. ولكن
يقيده بألا يزيد على أربعة أشهر. ويقرر الطلاق ويشرّع له ، وينظم أحكامه ومخلفاته.
في الوقت الذي يبذل كل ذلك الجهد لتوطيد أركان البيت ، وتوثيق أواصر الأسرة ، ورفع
هذه الرابطة إلى مستوى العبادة .. إنه التوازن الذي يجعل مثاليات هذا النظام كلها
مثاليات واقعية رفيعة. في طاقة الإنسان. ومقصود بها هذا الإنسان.
إنه التيسير
على الفطرة. التيسير الحكيم على الرجل والمرأة على السواء. إذا لم يقدر لتلك
المنشأة العظيمة
__________________