التوجيهات الكثيرة في ثناياها.
* * *
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ـ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ـ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. فَإِذا أَمِنْتُمْ : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ـ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ. ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ..
وأول ما يلاحظ في بناء الآية هو تلك الدقة التعبيرية في معرض التشريع ، وتقسيم الفقرات في الآية لتستقل كل فقرة ببيان الحكم الذي تستهدفه. ومجيء الاستدراكات على كل حكم قبل الانتقال إلى الحكم التالي .. ثم ربط هذا كله في النهاية بالتقوى ومخافة الله ..
والفقرة الأولى في الآية تتضمن الأمر بإتمام أعمال الحج والعمرة إطلاقا متى بدأ الحاج أو المعتمر فأهلّ بعمرة أو بحج أو بهما معا ؛ وتجريد التوجه بهما لله :
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ..
وقد فهم بعض المفسرين من هذا الأمر أنه إنشاء لفريضة الحج. وفهم بعضهم أنه الأمر بإتمامه متى بدىء ـ وهذا هو الأظهر ـ فالعمرة ليست فريضة عند الجميع ومع هذا ورد الأمر هنا بإتمامها كالحج. مما يدل على أن المقصود هو الأمر بالإتمام لا إنشاء الفريضة بهذا النص. ويؤخذ من هذا الأمر كذلك أن العمرة ـ ولو أنها ابتداء ليست واجبة ـ إلا أنه متى أهل بها المعتمر فإن إتمامها يصبح واجبا. والعمرة كالحج في شعائرها ما عدا الوقوف بعرفة. والأشهر أنها تؤدى على مدار العام. وليست موقوتة بأشهر معلومات كالحج.
ويستدرك من هذا الأمر العام بإتمام الحج والعمرة حالة الإحصار. من عدو يمنع الحاج والمعتمر من إكمال الشعائر ـ وهذا متفق عليه ـ أو من مرض ونحوه يمنع من إتمام أعمال الحج والعمرة ـ واختلفوا في تفسير الإحصار بالمرض والراجح صحته ـ :
(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ..
وفي هذه الحالة ينحر الحاج أو المعتمر ما تيسر له من الهدي ويحل من إحرامه في موضعه الذي بلغه. ولو كان لم يصل بعد إلى المسجد الحرام ولم يفعل من شعائر الحج والعمرة إلا الإحرام عند الميقات (وهو المكان الذي يهل منه الحاج أو المعتمر بالحج أو العمرة أو بهما معا ، ويترك لبس المخيط من الثياب ، ويحرم عليه حلق شعره أو تقصيره أو قص أظافره كما يحرم عليه صيد البر وأكله ...)
وهذا ما حدث في الحديبية عند ما حال المشركون بين النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن معه من المسلمين دون الوصول إلى المسجد الحرام ، سنة ست من الهجرة ؛ ثم عقدوا معه صلح الحديبية ، على أن يعتمر في العام القادم. فقد ورد أن هذه الآية نزلت ؛ وأن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أمر المسلمين الذين معه أن ينحروا في الموضع الذي بلغوا إليه ويحلوا من إحرامهم فتلبثوا في تنفيذ الأمر ، وشق على نفوسهم أن يحلوا قبل أن يبلغ الهدي محله ـ أي مكانه الذي ينحر فيه عادة ـ حتى نحر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هديه أمامهم وأحل من إحرامه .. ففعلوا (١) ..
__________________
(١) يراجع تفصيل هذا في تفسير سورة الفتح في الجزء السادس والعشرين.