فلا معنى له بعد وجوب إلغاء أحدهما المعين ، كما صرح به قدسسره في جواب المستشكل ، وان أراد تساويهما بملاحظة دليل الحجية من دون ترجيح لأحدهما على الآخر ، بحيث تشمله الأدلة الواردة في علاج المتعارضين. فما نحن فيه من هذا القبيل ، لأن الخبر الصادر من الأعدل الموافق لهم مع الخبر الصادر غيره المخالف لهم سيان ، بملاحظة دليل الحجية. أما تساويهما بملاحظة الدليل الأول ، فواضح ، لأن المفروض كونهما جامعين للشرائط المعتبرة في دليل الحجية. وأما تساويهما بملاحظة دليل العلاج (١٥٥) فلان المفروض اشتمال كل منهما على مزية خاصة موجبة للترجيح هذا.
______________________________________________________
(١٥٥) لا يخفى أن الخبر ـ الدال على الأخذ بقول الأعدل وطرح قول العادل ـ حاكم على الخبر الدال على الأخذ بما خالف العامة ، لأن معنى الأخذ بما خالف العامة وطرح ما وافقهم ليس إلّا حمل صدور الموافق على التقيّة. ومعلوم أن التقية لا تتصور الا فيما صدر ، فلو كان راوي ما هو المخالف من الخبرين عادلا ، وراوي الموافق منهما أعدل ، فمعنى قوله عليهالسلام : (خذ بأعدلهما) أنه ابن علي صدوره وعدم صدور الآخر ، ومعنى قوله عليهالسلام : (خذ بما خالف العامة) أنه ابن علي كون جهة صدور الموافق هو تقية. ومعلوم أن الدليل النافي لأصل الصدور بمنزلة الرافع لموضوع النافي لجهة الصدور ، لأن الصدور فيه أخذ محققا بخلاف النافي لجهة الصدور ، فانه لم يتعرّض لأصل الصدور لسانا ، وإنما ينافي العمل به نتيجة للعمل بما يحكم به المصحح للصدور. ولعلّ مراد الشيخ (قدسسره) ما ذكرنا.
هذا على ما ذكروه من كون الأدلة الدالة على الترجيح مفيدة لترجيح ذي المزايا المذكورة تعبدا ، من غير نظر إلى المرتكزات العرفية ، وأما على ما نبينا الكلام عليه من كونها إمضاء لما جرى عليه ، فقد مرّ أن ارتكاز كل أحد حصول الاطمئنان بقول الثقة ما لم يكن له معارض ، وعند المعارضة يتوقف ، ما لم يكن أحد الرّاويين أعدل واتقى في نقل الخبر ، وأما معه فيبنى على صدوره خاصة ، وعند التساوي من حيث الصدور يرجع إلى الترجيح في جهة الصدور ، والله العالم.
هذا آخر ما علقناه على ما صنّفه الأستاذ العلامة ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ عند الاشتغال به. وقد فرغت من تسويده في الخامس عشر من ربيع الأول