العرف متحيرا في المراد ، بعد فرض صدور كليهما ـ أولى من طرح أحدهما والتخيير بينهما. وأما فيما إذا كان متحيرا على فرض الصدور ، فلا دليل على الجمع ، ولا يصح. وعلى هذا لا بد من التكلم فيما إذا تعارض الخبران ولم يمكن الجمع بينهما عرفا على نحو ما ذكرنا.
والكلام فيه يقع في مقامين : (الأول) فيما إذا كان الخبران متكافئين ، ولا مرجح لأحدهما على الآخر. (الثاني) فيما إذا كان لأحدهما مرجح على الآخر.
أما الكلام في المقام الأول ، فيقع في مقامين أيضا (أحدهما) ـ فيما تقتضيه القاعدة ، مع قطع النّظر عن الاخبار الواردة في الباب. والثاني فيما تقتضيه الاخبار.
أما الكلام في الخبرين المتكافئين على حسب ما تقتضيه القاعدة ، فمحصله أن حجية الخبر إما أن تكون من باب السببية ، وإما من باب الطريقية ، فان قلنا بالثاني ، فمقتضى القاعدة التوقف فيما يختص كل من الخبرين به من المضمون ، والأخذ بما يشتركان فيه. مثلا لو قام دليل على وجوب صلاة الظهر ، ودليل آخر على وجوب صلاة الجمعة ، فمقتضى القاعدة التوقف في الحكم الخاصّ المدلول لكل منهما بالخصوص ، والحكم بثبوت أحد المدلولين واقعا. وفائدته نفى الثالث ، فهنا دعويان :
إحداهما ـ لزوم التوقف في المدلول المختص لكل منهما. والثانية ـ لزوم الحكم بأحد المدلولين اللازم منه نفى الثالث. والدليل على الأولى منهما أمر ان (أحدهما) بناء العرف والعقلاء ، فإنا نراهم متوقفين عند تعارض طرقهم المعمول بها عندهم ، فان من أراد الذهاب إلى بغداد مثلا ، واختلف قول الثقات في تعيين الطريق إليه ، يتوقف عند ذلك ، حتى يتبين له الأمر. وهذا واضح من طريقتهم.
(الثاني) ـ أنه قد تحقق أن فائدة سلوك الطرق المجعولة هو تنجيز الواقع فيما لو كان هناك واقع مطابق لمؤداها ، وإسقاطه فيما لو كان هناك واقع على خلاف