بخلاف الثانية. هذا وأما الدليلان المتباينان بحسب المدلول فهما على أقسام.
(أحدها) ـ أن يكونا نصين في تمام مدلوليهما. والثاني ـ أن يكونا ظاهرين ، وهو على قسمين : (أحدهما) أن يكون لهما قدر متيقن ، بحيث لو فرض صدورهما تعين الأخذ به. و (الثاني) : أن لا يكون لهما قدر متيقن في البين أصلا. والأول منهما أيضا على قسمين (أحدهما) ـ أن القدر المتيقن المفروض إنما فهم من نفس الدليلين. و (الثاني) ـ أنه علم من الخارج ، فهذه أربعة أقسام.
لا إشكال في عدم إمكان الجمع إذا كانا نصين ، كما أنه لا إشكال في عدم إمكان الجمع أيضا إذا كانا ظاهرين في تمام مدلولهما ، فهذان القسمان داخلان في الخبرين المتعارضين ، ويعامل معهما معاملة التعارض ، من ملاحظة الترجيح في السند أو التخيير ، على التفصيل الّذي يأتي إن شاء الله. ولو كان كل منهما نصا في مقدار من مدلولهما ، وظاهرا في الآخر ، فمقتضى ما ذكرنا ـ في وجه تقديم الخاصّ المظنون السند على العام هو الأخذ بالنص في كلا الدليلين هنا وإلغاء الظاهر فيهما ، تحكيما للنص في كل منهما على الظاهر في الآخر. ولا فرق في ذلك بين كونهما مقطوعي السند ، أو مظنوني السند بالظن المعتبر ، أو كان أحدهما مقطوع السند والآخر مظنونا بالظن المعتبر.
أما في الأول فظاهر. وأما في الثالث فلوقوع التعارض بين ظهور الخبر المقطوع الصدور وسند الآخر. وما ذكرناه من الوجه في تقديم الخاصّ المعتبر على العام جار هنا بعينه.
واما في الثاني ، فلعدم كون المدلول مشمولا لدليل الاعتبار ، إلا بعد الفراغ عن اعتبار السند ، فيشمل دليل الاعتبار كلا السندين من دون معارض ، لأن ما يتوهم أن يكون معارضا للسند دليل اعتبار الظهور في الآخر. وظاهر أنه غير مشمول لدليل الحجية قبل الفراغ من اعتبار سنده. فالواجب أن يفرض السندان مقطوعي الصدور بمقتضى دليل الاعتبار الخالي عن المعارض ، كما عرفت ، ثم الأخذ بنص كل منهما وتحكيمه على ظاهر الآخر.