ولا ضرار ، ولا شك لكثير الشك. ودليل نفى الحرج وأمثال ذلك ، إذ ليس واحد منها بمدلوله اللفظي ناظرا إلى مدلول دليل آخر ، (١٢٧) بل يحكى كل واحد منها عن الواقع ، ولذا لو لم يكن في البين إلّا هذه القواعد التي جعلت حاكمة على سائر القواعد ، لم يلزم كونها بلا مورد ، ولو كانت مبينة لمقدار مدلول قاعدة أخرى ، للزم كونها لغوا وبلا مورد عند عدم تلك القاعدة ، لأن الدليل الحاكم على ما ذكره بمنزلة قول القائل (أعنى) ، ولا يكون هذا صحيحا إلا مع كلام آخر يكون هذا شارحا له ، ونحن نرى أنه لو لم يكن الشك موضوعا للحكم الشرعي أصلا ، وكذا لو لم يدل دليل على حكم الشك في عدد ركعات الصلاة ، وكذا لو لم تكن العمومات أو الإطلاقات تقتضي ثبوت الحكم الضرري والحرجي ، لما كانت حجية للأمارات والأدلة ، وكذا قول الشارع لا حكم لكثير الشك ، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ـ كان لغوا وبلا مورد ، كما هو واضح. فعلم أن ما ذكر ليس بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر.
(ضابط الحكومة)
ولنقدم الكلام في بيان ضابط الحكومة بما عندنا ، ثم نتعرض لوجه تقديم الأمارات والأدلة على الاستصحاب وعلى سائر الأصول التعبدية ، وانه هل هو من جهة الحكومة أو الورود. وما توفيقي إلّا بالله.
______________________________________________________
(١٢٧) لا يخفى أن لا ضرر ، ولا حرج ، ولا شك لكثير الشك ، وأمثالها ناظرة إلى الأدلة الأولية ، ولو لم يجعل حكم من قبل الشارع أصلا ، لكانت تلك الأدلة لغوا ، لأن نفي الحكم الضرري ـ أو الحرجي مع عدم حكم أصلا ـ معلوم اللغوية ، وكذلك نفي حكم كثير الشك مع عدم جعل حكم للشك أصلا. نعم لو لم يكن للشكوك حكم ، لم تكن أدلة الأمارات لغوا ، ويكفي في عدم لغويتها نفس الواقع المجعول المجهول ، لكن سيأتي الكلام في بيان حكومتها إن شاء الله تعالى.