المقالة الخامسة
(في حاله مع الطرق المعتبرة شرعا)
أعنى ما اعتبر من جهة كشفه عن الواقع ، وتسمى في الأحكام أدلة اجتهادية ، وفي الموضوعات أمارة ، فلو ورد في مورد الاستصحاب دليل معتبر أو أمارة معتبرة على خلاف الحالة السابقة ، فلا إشكال في أنه يترك الاستصحاب ، ويعمل بمقتضى ذلك الدليل أو تلك الأمارة.
إنما الكلام في وجه ذلك. وقد قال شيخنا المرتضى «قدسسره» في غير مورد من كلامه أن تقديم الأدلة أو الأمارات على الاستصحاب إنما هو من باب الحكومة لا التخصيص ولا التخصص ، وهي ـ على ما فسرها في مبحث التعادل والترجيح ـ أن ينظر دليل بمدلوله اللفظي إلى دليل آخر ، ويكون مبينا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله ، نظير الدليل على أنه لا حكم لكثير الشك ، أو للشك في النافلة وأمثال ذلك ، بالنسبة إلى الأدلة الدالة على حكم الشك في عدد ركعات الصلاة.
وعلى هذا فبيان حكومة الأدلة والأمارات على الاستصحاب أنه في هما ، وإن كان الشك موجودا ولم يقطع بخلاف الحالة السابقة ، وعموم لا تنفض يشمله لفظا ، إلا ان دليل اعتبارهما قد جعل مؤداهما واقعا أوليا بالتنزيل. ولازم ذلك جعل الشك فيه ملغى بحسب الآثار ، فصار مفاد قول الشارع ـ صدق العادل فيما أخبرك به ، أو صدق الأمارة فيما حكمته ـ ان شكك في المورد المفروض بمنزلة العدم ، ومعنى كونه بمنزلة العدم أنه لا يترتب عليه ما يترتب على الشك ، نظير ما إذا ورد حكم على عنوان العالم ، ودل دليل على عدم كون النحوي عالما ، فان مرجع هذا الدليل إلى أن ما جعلنا للعالم في ذلك الدليل ، لا يترتب على النحوي.
هذا ، ويشكل بأن الضابط المذكور لا ينطبق على دليل حجية الأمارات والأدلة ، ولا على سائر الموارد التي جعل تقديمها من باب الحكومة ، كدليل لا ضرر