أيضا من جهتها ، ولا يعارضها مفهوم الأخرى ، لأن المفهوم في كل من القاعدتين بيان عدم المقتضى لإلغاء الشك ، وان الرجوع إلى المشكوك من باب القاعدة ، مع إمكان أن يقال بعدم المفهوم للدليل المفيد لقاعدة الشك بعد الفراغ في باب الصلاة ، لأنه لم يجعل الموضوع فيه الشك والفراغ شرطا خارجا عنه ، كما هو شأن كل قضية شرطية سيقت لبيان المفهوم ، بل جعل الشك بعد الفراغ موضوعا للحكم ، وأداة الشرط الموجودة في بعضها إنما جيء بها لبيان تحقق الموضوع ، كما لا يخفى على المتأمل.
ولو سلمنا ثبوت المفهوم لكل منهما فلا يقبل المعارضة مع المنطوق ، كما لو قال الشارع : إذا بلت فتوضأ مثلا ، ثم قال إذا نمت فتوضأ ، فانه لا ينبغي توهم أن منطوق أحدهما معارض مع لمفهوم الآخر ، فتدبر.
فان قلت : الشك في المركب بعد الفراغ مسبب عن الشك في الجزء أو القيد ، والشك في السبب تشمله الاخبار الدالة على عدم الاعتناء بالشك بعد المحل ، وقد تحقق أن القاعدة الجارية في الشك السببي مقدمة على القاعدة الجارية في الشك المسببي. وحينئذ لا يبقى للشك بعد الفراغ مورد الا نادرا ، (١٢٢) كما لو شك في الجزء الأخير وقد فرغ عن العمل بواسطة
______________________________________________________
(١٢٢) لا يخفى أن الشك في الجزء الأخير غير مشمول لقاعدة الفراغ أصلا ، لتوقفها على تحقق الفراغ ، وهو بعد مشكوك فيه ، بل هو أيضا مشمول لقاعدة التجاوز ، فلو دخل في فعل مناف للصلاة أو مترتب عليه ، ثم شك في الجزء الأخير ، فيصدق عليه أنه شك فيه ، وقد دخل في غيره ، وإلّا فيؤتى به ، فتكون القاعدة الثانية ـ أي قاعدة الفراغ المجعولة في خصوص الصلاة والوضوء ـ لغوا غير محتاج إليها ، فان قاعدة التجاوز ـ على ما ذكروا بما ذكر لها من المعنى ـ كافية عن تلك القاعدة. وهذا أيضا شاهد على تعدد القاعدة المستفادة من الروايات ، وأن القاعدة الأولى لا يراد بها الا الشك في الوجود ، وبالقاعدة الثانية الشك في الصحة ، لأن ظهور تينك الروايتين في الشك في الصحة مما لا يخفى ، فلو لم تكن القاعدة الأولى مختصة بالشك في الوجود ، لزم