يقع مورد التكليف ، فالقضية ـ بعد القطع بعدم كون ظاهرها مرادا ـ محمولة بحكم العرف على النهي عن النقض عملا ، فمحصل المعنى حرمة اليقين ، ووجوب الإبقاء في حال الشك من حيث العمل ، فيختص مورد التكليف بما إذا كان لليقين السابق ـ على فرض بقائه ـ عمل يصح للشارع ان يجعله موردا للتكليف ، وحيث أن هذه القضية وردت لرفع تحير المكلف من جهة تكليفه الواقعي ، لزم أن يكون لليقين السابق ـ على تقدير بقائه ـ عمل متعلق للتكليف الشرعي ، وان لم يكن في السابق كذلك ، فخرج اليقين الّذي لم يكن له ـ على تقدير بقائه ـ عمل أصلا ، وكذا ما لم يكن له عمل متعلق للتكليف الشرعي.
إذا عرفت هذا فنقول : إن كان المتيقن في السابق حكما من الأحكام الشرعية متعلقا بموضوع من الموضوعات ، أو موضوعا خارجيا تعلق به الحكم الشرعي ، من دون واسطة ، فدخوله في مورد الاخبار مما لا إشكال فيه ، لأن اليقين بالحكم له عمل ، وهو الإتيان بموضوع متعلق للحكم الشرعي. وكذا اليقين بموضوع مورد للتكليف بلا واسطة ، مثلا لو تيقن بكون مائع خمرا ، فعمل هذا اليقين من حيث الطريقية ترك شرب ذلك المائع ، وإبقاء عمل اليقين في الحالة الثانية ترك شربه أيضا ، فيرجع قوله لا تنقض اليقين بالشك ـ فيما لو كان المتيقن وجوب الصلاة مثلا ـ إلى إيجاب الصلاة ، وفيما لو كان كون المائع خمرا فشك فيه إلى حرمة شربه ، لأن ترك الصلاة في الأول نقض لليقين بالوجوب عملا ، وكذا شرب ذلك المائع في الثاني.
وبهذا تعرف معنى ما هو المعروف من أن الاستصحاب في الأحكام الشرعية عبارة عن جعل الحكم المماثل للمتيقن ، وفي الموضوعات عبارة عن جعل آثارها ، مع وحدة الدليل الدال على ذلك ، فاضبطه فانه حري به ذلك.
ثم ان ما قلناه من أنه لا بد أن يكون لليقين عمل ، ليس المراد كون ذلك العمل متعلقا للتكليف الشرعي مستقلا ، بل المراد أعم منه ومن أن يكون له دخل وربط بالموضوع المتعلق للحكم ، بنحو من أنحاء الربط ، كالقيد والشرط ، فالميزان أن يكون لليقين عمل بواسطة الشرع ، سواء كان من جهة كون شيء موضوعا