(قلت) هذا موقوف على صحة منع الشارع عن العمل بالظن في حال الانسداد ، ولا يمكن ذلك ، إذ لو صح لما قطع العقل بحجية سائر الظنون أيضا ، لاحتمال منع الشارع عن العمل بها. ولا دافع للاحتمال المذكور إلا حكم العقل بقبح المنع من الشارع. ولا يخفى أن هذا الإشكال لا يبتني على القول بحجية الظن ، بل يأتي على القول بالتبعيض في الاحتياط أيضا. نعم مورد الإشكال على الأول هو الظن القياسي المثبت للتكليف ، وعلى الثاني هو الظن القياسي النافي له ، كما يظهر وجهه بأدنى تأمل.
والجواب عن الإشكال أنا نلتزم بان المعتبر ـ بحكم العقل في حال الانسداد ـ هو الظن الّذي لم يعلم منعه من قبل الشارع ، فإذا علم المنع يخرج عن موضوع حكم العقل. وهذه الدعوى تنحل إلى دعاوى ثلاث :
(الأولى) ـ ان المعتبر عند العقل ليس مطلق الظن.
(الثانية) ـ أن الخصوصية المعتبرة في الموضوع هو عدم العلم بمنع الشارع ، لا عدم منع الشارع واقعا.
(الثالثة) ـ جواز منع الشارع عن العمل بظن في حال الانسداد.
أما الدليل على الأولى ، فهو أن وجه إلزام العقل العمل بالظن إنما هو تنجز الواقعيات بواسطة قيام الحجة عليها من العلم الإجمالي ، وأنه مع هذا الوصف لا يؤمن المكلف من العقاب لو ترك العمل بما يظن كونه حكما واقعيا ، وبعد منع الشارع عن العمل بظن يقطع بعدم العقاب على مؤدى ذلك الظن وإن كان حكما واقعيا (٦٠).
______________________________________________________
(٦٠) وفيه ما لا يخفى ، فان النهي عن العمل بالظن كيف يرفع العقاب الثابت بالعلم الإجمالي ، وهل الظن حينئذ إلا كالشك ، فان المنجّز للتكليف لم