ويمكن أن يجاب على هذا المبنى بأن العلم بالتكليف موجب لتحقق عنوان الإطاعة والمخالفة ، والأول علة تامة للحسن ، كما أن الثاني علة تامة للقبح. وهما كعنواني الإحسان والظلم ، فكما أنه لا يجوز المنع عن الإحسان والأمر بالظلم عقلا ، كذلك لا يجوز المنع عن الإطاعة والأمر بالمعصية والمخالفة. ولا فرق عند العقل في تحقق هذين العنوانين بين أسباب القطع ، بخلاف الظن بالتكليف ، فانه بعد لم يصل إلى حد يصلح لأن يبعث المكلف إلى الفعل ، لوجود الحجاب بينه وبين الواقع ، فلم يتحقق عنوان المخالفة والإطاعة.
نعم لو حكم العقل بوجوب الإتيان بالمظنون من جهة الاحتياط ، وإدراك الواقع ـ كما في حال الانسداد ـ فعدم الإتيان به على تقدير إصابة الظن للواقع في حكم المعصية ، لكن لا إشكال في أن هذا الحكم من العقل ليس إلّا على وجه التعليق ، بمعنى كونه معلقا على عدم منع الشارع عن العمل بذلك الظن ، لا على وجه التنجيز ، كالإتيان بالمعلوم. ومن ثم لو حكم الشارع بترك العمل بالظن في حال الانسداد لا ينافى حكم العقل.
ومحصل ما ذكرنا من الوجه : ان المخالفة ـ لكونها قبيحة بقول مطلق ـ لا تقبل الترخيص ، والإطاعة ـ لكونها حسنة كذلك ـ لا تقبل المنع (٥) ، لا أن المنع عن العمل بالعلم مستلزم للتناقض ، حتى يرد عليه ما ذكرنا من الإشكال.
______________________________________________________
(٥) ويمكن التمسك بالتناقض أيضا على هذا الوجه ، لكن في مقام الفرض لا في مقام جعل الحكم ، حتى يجاب بتعدد موضوع الحكم. بتقريب أن يقال : إن الغرض من الجعل والمصلحة الباعثة له مطلق ، ولا دخل لحال التجرد فيه ، وإن كان له دخل