وبعبارة أخرى المقامان مشتركان في تعرية المفهوم من حيث كونه متعقلا في الذهن ، لكن يختلف ذات المتعقل في مفاد لفظ الابتداء معها في مفاد لفظة من ، فلا يحتاج إلى الالتزام بان المعنى والموضوع له في كليهما
______________________________________________________
لا المتصور ، وأوصاف اللحاظ والإرادة لا تسرى إلى الملحوظ والمتصور بل لا يمكن ، وبالفرض يكون قيد اللحاظ في المقام ملغى في المعنيين ، ولم يبق في البين إلّا حقيقة المعنى ، فلا محيص عن الالتزام باتحاد المعنى فيهما ، والتفصي عن لزوم الترادف وصحة استعمال كل منهما في موضع الآخر باشتراط الواضع على المستعملين ان لا يستعمل الأول الا عند تصوره مستقلا ، والثاني عند تصوره آلة.
وفيه : ان الآلية والاستقلالية وان كانتا من أطوار اللحاظ وخصوصياته ، لكن لا نسلم كلية عدم سراية أوصاف اللحاظ إلى الملحوظ ، فان بين الطبيعة الملحوظة لا بشرط وبشرط لا وبشرط شيء لا ميز إلّا من قبل اللحاظ ، ومع ذلك تختلف الأقسام بحيث لا يصح استعمال اللفظ الموضوع لأحدها في الآخر ، فلا يصح استعمال لفظ المقيد في المطلق ولا المطلق في المقيد بما هو مقيد الا مجازا ، وأيضا : ما يحمل عليه كلي بالحمل الشائع وهي الطبيعة المعرّاة عن خصوصيات الوجود ، والمجردة عن جميع القيود حتى قيد التجرد ، إذ هو مع لحاظه جزئي خارجا أو ذهنا ، والتجريد والتعرية ليسا الا من صفات اللحاظ ، ومع ذلك يمتاز الملحوظ المجرد عن المقيد ، وأحدهما كلي والآخر جزئي.
ولعل ذلك الإيراد نشأ من توهّم : أن اللحاظ من عوارض الملحوظ فلو نشأ اختلاف في الملحوظ من اختلاف اللحاظ لزم كون اللحاظ دخيلا في تحققه ، وذلك يستلزم الدور ، لأن اللحاظ يتوقف على الملحوظ والملحوظ بالفرض يتوقف على اللحاظ وهو دور صريح. وهو توهم فاسد ، لأن عروض اللحاظ على الملحوظ ليس من قبيل عروض سائر العوارض بحيث يتوقف وجوده على وجودها ، بل من قبيل عروض الوجود على الماهية ، لا يتوقف عروضه على وجوده من قبل بل به يوجد ، ولا فرق في ذلك بين الوجودات الذهنية والخارجية ، فتحصل من جميع ذلك أنّ نفس الموجود في الذهن آلة غير الموجود استقلالا ، ولو كان اللحاظ فيهما ملغى.