بقي هنا شيء ، وهو أن الدلالة التي أشرنا إليها ، هل هي داخلة في المنطوق أو المفهوم؟ وهذا وان كان خاليا عن الفائدة ، إذ ليسا بعنوانهما موردا لحكم من الأحكام ، إلا انه لا بأس بذكر ذلك.
فنقول قولنا (أكرم العلماء الا زيدا) يشتمل على عقد إيجابي وسلبي ، ودلالة العقد الإيجابي ـ بعد خروج زيد ـ على وجوب إكرام باقي العلماء دلالة المنطوق ، ودلالة العقد السلبي على إثبات نقيض ذلك الحكم في المستثنى دلالة المفهوم (٢١١) ، إذ هي لازمة لخروج المستثنى عن تحت الحكم المتعلق بالمستثنى منه ، كما أن دلالته ـ على حصر مورد وجوب الإكرام في الباقي ، وحصر مورد نقيضه في المستثنى أيضا ـ داخلة في المفهوم ، فان ذلك كله لازم المعنى المستفاد من أداة الاستثناء بالمطابقة ،
______________________________________________________
الشهادة بهذا النحو في قبال عبدة الأوثان لأنهم يعبدونها ، من دون نظر إلى خالقيتها ، أو كونها واجبة الوجود أو غير ذلك من المعاني المذكورة.
وكيف كان لو كان اللازم في الشهادة دلالة الكلام ، من دون ضمّ مقدمة عقلية على وجود الخالق ، وعدم إمكان غيره ، فلا تدل القضية عليهما ، وإن قدّر ما قدّر ، وان كانت الدلالة ولو بلحاظ العقل كافية فكل من هذه الوجوه كاف ، ويمكن جعل المقدّر (ممكن) مع الشهادة على الوجود أيضا ، بجعل الاسم الإله المفروض الوجود ، فتتم الدلالة بلا انضمام شيء خارج.
(٢١١) لا يبعد أن تكون دلالة العقد السلبي أيضا منطوقا ، فان أداة الاستثناء آلة للإخراج ، وما يستفاد منها يحسب من المنطوق ، كما يحسب من المنطوق ما يستفاد من سائر الأدوات ، من غير فرق في ذلك بين أن يكون معناه حرفيا أو فعليا ، كما قد يقال بالتفصيل ، وإن أبيت عن ذلك فنقول : إن الدلالة على حصر المنطوق وحصر المفهوم يستفاد من الهيئة التركيبية ، مع الاقتصار على إخراج ما ذكر ، مع كونه في مقام إخراج ما خرج وبيان خروجه ، فيكون الحصر فيهما منطوقا للجملة لا للمفردات.