احتياجه في الخارج إلى محل خاص خارجي لا يوجب جعل ذلك المحل جزءا لمعنى اللفظ كذلك احتياجه في الوجود الذهني إلى محل لا يوجب كونه جزءا لمعنى اللفظ أيضا.
وأنت إذا أحطت بما تلوناه عليك تعرف بطلان كلا الأمرين اللذين أوجبا توهّم جزئية معاني الحروف. اما تقييدها بالوجود الذهني فلما مر في طي البيان من ان المقصود كونها كليات مع قطع النّظر عن التشخص الذهني ، إذ بملاحظة ذلك التشخص ليست معاني أسماء الأجناس أيضا كليات ، إذ المفهوم المقيد بالوجود الذهني الاستقلالي بقيد انه كذلك أيضا جزئيّ لا ينطبق على كثيرين فكما ان الوجود الاستقلالي في الذهن في معاني أسماء الأجناس لا يخرجها عن الكلية لكون الوجود الذهني ملغى عند اعتبار المعنى كذلك الوجود الآلي في الذهن في معاني الحروف ، واما احتياجها إلى محال في الذهن ترتبط به فلما مر أيضا من ان الاحتياج في التحقق إلى شيء لا يوجب كون ذلك الشيء جزءا للمعنى.
ومن هنا تعرف ان الحروف التي معانيها إنشاءات أيضا لا تخرج معانيها بما هي معانيها عن كونها كليات وانما التشخص جاء من قبل احتياج تحقق تلك المعاني ، مثلا لفظة يا النداء موضوعة لحقيقة النداء المتحقق في الخارج (٢٠) وهو يحتاج إلى المنادى الخاصّ بالكسر والمنادى الخاصّ بالفتح والدال على تلك الخصوصيات أمور أخر غير هذه اللفظة.
______________________________________________________
(٢٠) ربما يتوهم جزئية المعاني الإنشائية ولو فرض تسليم كلية المعاني التصورية للحروف ، وذلك حيث أن الكلية في الحروف باعتبار أنها وضعت لكلي صادق على الذهن والخارج ، وان كان تبعا لغيره في الوجود كما مر ، بخلاف المعاني الإنشائية فان الموضوع له فيها هو نفس الموجود الخارجي ، كالنداء الخارجي والطلب الإنشائي