فمعنى لفظة من مثلا حقيقة الابتداء الآلي والربطي (١٩) ولا شك انه كلي كحقيقة الابتداء الاستقلالي. نعم تحقق الأول في الذهن يحتاج إلى محل يرتبط به ، كما ان تحققه في الخارج يحتاج إلى محل يقوم به. وكما ان
______________________________________________________
(١٩) فالموضوع له للفظة «من» على هذا التقرير هو المفهوم المنتزع من القدر المشترك بين الافراد الخارجية للابتداء ، معراة عن التقيد بالوجود الذهني ، كمفهوم لفظ «الابتداء» ، فانه أيضا شيء موجود في الذهن منتزع من الافراد الخارجية من دون تقيد بوجوده الذهني ، إلّا أن الأول هو الموجود في الذهن بنحو الآليّة ، والثاني هو الموجود في الذهن بنحو الاستقلاليّة ، ومعلوم أن ذلك المفهوم لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين ، فلا يكون جزئيا ذهنيا لعدم تقيده بالوجود الذهني ، ولا خارجيا لكونه جامعا بين الخارجيات ، ولا إضافيا لعدم كون المتعلقات قيدا أو جزءا للموضوع له ، وان كان لا يتحقق في الذهن الا تبعا لها ، لما بيّن من أن الاحتياج عند الوجود إلى شيء لا يستلزم كونه جزءا للموضوع له كالإعراض ، ولا فرق في ذلك بين تحققه في ضمن تحقق مفهوم متعلق يصلح للتعدد كابتداء السير من البصرة ، أو غير صالح كابتداء السير من نقطة خاصة خارجية ، فان كلا منهما خارج عن مفهوم «من» ومدلول بدال آخر ، فالحصة للفظة «من» ليست إلّا أصل الابتداء الملحوظ آلة ، لكن لا بنحو يكون اللحاظ قيدا له ، وأما السير والبصرة وسائر الخصوصيات فمدلولة بدوال أخر.
وبذلك اتضح صحة انطباقه على الخارج مثل سائر الكليات ، فان مفهوم الإنسان أو الابتداء ما لم يتعر عن المفهومية وكونه في الذهن لا ينطبق على الخارج.
وبذلك أيضا اتضح عدم احتياج تصور المعنى الحرفي إلى تصور التصور ، فانه لو احتاج تصور ذلك الموضوع له إلى تصور التصور ، لكان تصور الموضوع له للفظ الإنسان محتاجا إلى ذلك أيضا ، فانك تقول انه مفهوم منتزع من القدر المشترك بين الخارجيات ، وتصور المفهوم يحتاج إلى تصور التصور ان كان وصف المفهومية قيدا له ، غاية الأمر أن في المقام لا بد من التصور الاستقلالي ، لا التصور الآلي كما في المعنى الحرفي.
وأيضا علم صحة انطباقه على الخارج كسائر المفاهيم ، لأن المانع له ليس إلّا التقييد بالوجود الذهني ، وقد عرفت عدم دخله في الموضوع له.