لأن تلك النواهي تنبئ عن عدم المصلحة في العمل الخاصّ ، فلا يتطرق إليه احتمال الصحة بعد ذلك ، وليس الفساد مرتبا على النهي ، بل النهي جاء قبل الفساد.
(الخامس) أنه لو شك في اقتضاء النهي للبطلان ، فلا إشكال في عدم وجود أصل في هذا العنوان يعين أحد طرفي الترديد (١٨٧) فيجب الرجوع إلى القواعد الجارية في نفس المسألة الفرعية ، فنقول : لو تعلق نهى بالصلاة في محل خاص مثلا ، وشككنا في إيجابه لبطلان العمل ، فلو أتى المكلف بتلك الصلاة المنهي عنها ، فهل الأصل يقتضى البطلان أو الصحة؟ يمكن ابتناء ذلك على كون النزاع في المسألة لفظيا أو عقليا.
فعلى الأول يرجع الشك في المسألة إلى الشك في التقييد ، فان القائل ـ بان الخطاب المشتمل على النهي يدل على فساد العمل عرفا ـ يرجع قوله إلى دعوى أن مورد الوجوب مقيد بغير الخصوصية المنهي عنها ، فالصلاة المأتي بها في محل ورد النهي عن إتيانها فيه باطلة ، لفقدان الشرط الشرعي على مذهب هذا القائل ، فلو شك في ذلك يرجع الشك إلى أن
______________________________________________________
(١٨٧) وذلك لأن الشك إن كان في حكم العقل ، بمعنى عدم جزمه بالامتناع والإمكان ، لكون المطلب نظريا ، فلا أصل يعيّن ذلك. نعم اشتهر : (كل ما قرع سمعك.). لكنه في مجرد الاحتمال ، لا في تعيين الإمكان واقعا ، كما هو واضح ، وان كان في دلالة اللفظ ، فلا أصل أيضا ليعيّن أحد الطرفين ، بل يمكن منع الشك فيها ، بمعنى أن الشك فيها مساوق لعدمها ، كالشك في العلم أو الحجية. نعم يمكن الشك في وجود القرينة الدالة على الفساد في مورد خاص ، وتجري فيه أصالة عدمها.
وكذلك يمكن الشك في إطلاق دليل العبادة ، لكن النزاع فيها نزاع في المسألة الفرعية.