وأما القسم الثالث فالحق فيه بطلان العبادة (١٨٤) ، فان الجهة المقبحة مؤثرة فعلا في تبعيد العبد عن ساحة المولى ، فلا يمكن أن تكون الجهة المحسنة مؤثرة في القرب. وبه يعلم عدم إمكان تعلق الأمر به أيضا ، لأن العنوان الطارئ لو كان بحيث لا يوجب عذرا للمكلف ، فحاله حال العلم بالحرمة ، فكما أنه في مورد العلم بالحرمة لا يمكن بقاء الأمر وصحة العبادة ، كذلك في حال لا يعذر فيها عقلا. فتأمل جيدا.
فصل في النهي عن العبادة
هل النهي عن الشيء يقتضى فساده أولا ، ولنقدم أمورا :
(الأول) أن الفرق ـ بين هذه المسألة والمسألة السابقة ـ ان
______________________________________________________
الإرادة الفعلية ، ولا يمكن استكشاف عدم الفعلية للمبغوض الا بإعلامه ، كما في موارد الترخيص. واما في غيرها فلا طريق للاستكشاف. نعم لو قلنا بدلالة حديث الرفع على الترخيص في موارد النسيان والجهل حتى المركب منه ، فيستكشف منه عدم الفعلية ، لكن المستفاد منه في مثل تلك الموارد رفع المؤاخذة لا الترخيص.
واما تصحيح الأمر به بالترتب ، بان يأمر على تقدير العذر ، ففيه (أولا) : ما مر من عدم إمكان الأمر بشيء مترتبا على تركه ، ولو عن عذر.
و (ثانيا) : لغوية هذا الأمر ، لأنه ما دام معذورا لا يلتفت إلى هذا العنوان ، حتى يؤثر الأمر فيه ، ويشترط في الأمر صلاحيته للداعوية.
(١٨٤) ان قلت : ما الفرق بين الغافل والعاجز ، حيث اختار المصنف ـ دام ظله ـ إمكان انقداح الإرادة في الأول دون الثاني؟ فان كان المناط عدم تأثير ملاك النهي في الفعل مع العجز ، فلا تنقدح إرادة المنع ، فليكن في الغافل أيضا كذلك.
قلت : الفرق بينهما واضح ، بإمكان إرادة الترك في حال الغفلة لا بوصفها ، غاية الأمر هو معذور مع القصور ، وعند التقصير معاقب.