هذا ، وأنت بعد الإحاطة بما ذكرنا ، تعرف أن استدلال المجوز ـ باجتماع المثلين أو الضدين في باب الأسباب ـ مما لا وجه له أصلا.
وتوضيحه أنه في صورة تعدد الافراد من الطبيعة الواحدة ، إن قلنا بان السبب ليس إلّا صرف الوجود ، وكذا المسبب ، فلا يكون هناك الا سبب واحد ومسبب واحد ، وليس من مورد اجتماع المثلين أصلا. وكذا إن قلنا بصرف الوجود في طرف المسبب فقط ، أو السبب كذلك. وان قلنا بكون السبب مراتب الوجود ، وكذلك المسبب فالأسباب متعددة وكذلك المسببات ، فلا اجتماع للمثلين أيضا. وهكذا الأمر في صورة تعدد الفردين من طبيعتين (١٨٠) لأنه ان جعلنا المسبب صرف الوجود ، فالواجب واحد بوجوب واحد ، وان جعلناه مراتب الوجود ، فالواجب متعدد بتعدد السبب. والوجوب أيضا كذلك ، فلا اجتماع للمثلين أيضا.
واما قضية اجتماع الضدين كالوجوب والاستحباب في غسل الجمعة والجنابة ، فنقول إن قلنا بتعدد الحقيقة في الغسلين ، فلا يكون من مورد اجتماع الضدين ، لأنه على هذا يكون من قبيل وجوب إكرام العالم ، واستحباب إكرام الهاشمي. وإن قلنا بوحدتهما حقيقة ، فان بنينا على عدم كفاية غسل واحد عنهما ، فلا شبهة أيضا في عدم اجتماع الضدين ، وإن
______________________________________________________
(١٨٠) لا يخفى انه لو كان المسبب عن كل سبب عنوانا غير المسبب عن الآخر ، ولم يؤخذ فيهما قيد عدم اجتماعهما في الوجود ، فلا مانع من اجتماع الحكمين ، بتقريب مر من الاجتماعي ، فلو كان مثل غسل الحيض والجنابة نوعين مختلفين ، فقصد المكلف إتيانهما بحركة واحدة ، فلا مانع من أن يقال بأنها مصداق لواجبين من دون محذور في البين. وكذا في مثل الجمعة والجنابة بالنسبة إلى الوجوب والاستحباب. نعم في مثل (أكرم عالما وهاشميا) لا بد من الالتزام بتأكد الحكم ، لما مر من عدم جريان دليل المجوز في مثله.