فان قلت : سلمنا ذلك كله ، ولكن المسبب ليس فعل المكلف حتى يقتضى تعدد افراد السبب الفعلي تعدده ، بل المسبب هو الوجوب ، ولا يقتضى تعدد أسباب الوجوب تعدده ، بل يتأكد بتعدد أسبابه.
قلت : ظاهر القضية أن السبب الشرعي يقتضى نفس الفعل ، وامر الشارع إنما جاء من قبل هذا الاقتضاء ، بمعنى أن الشارع أمرنا بإعطاء كل ذي حق حقه ، فافهم فانه دقيق.
فان قلت : يمكن أن يكون السببان مؤثرين في عنوانين مجتمعين في فرد واحد ، فلا يقتضى تعدد السبب تعدد الوجود ، كما لو قال الآمر : (إن جاءك عالم فأكرمه ، وان جاءك هاشمي فأكرمه) فجاءك عالم هاشمي ، فلا شبهة في أنه لو أكرمت ذلك العالم الهاشمي امتثلت كلا الأمرين.
قلت : أما (أولا) فظاهر القضية وحدة عنوان المسبب (١٧٨) ، ولا شك في انه مع وحدة عنوان المسبب لا يمكن القول بتعدد التأثير ، إلّا بالتزام تعدد الوجود ، لعدم معقولية تداخل الوجودين من طبيعة واحدة. وأما (ثانيا) فنقول ـ بعد الإغماض عن هذا الظهور ـ لا أقل من الشك في أن المفهومين المتأثرين من السببين هل يجتمعان في مصداق واحد أم لا؟ ومقتضى القاعدة الاشتغال ، لأن الاشتغال بالتكليفين ثابت ، ولا يعلم
______________________________________________________
(١٧٨) خصوصا مع وحدة عنوان السبب ، حيث أن الظاهر أن المؤثر حينئذ هو الجامع ، ولا يحصل من الواحد بالنوع إلا الواحد بالنوع. واما مع اختلاف الأسباب نوعا ، فالتعدد في المسبب بحسب النوع ـ وان كان موافقا للقاعدة ـ لكن حيث لم نعلم بحدود ماهيته ، فاجتماعهما على فرض التعدد مشكوك فيه ، فيرجع إلى الشك في الامتثال بعد اليقين بالاشتغال ، ومعلوم انه يستدعى البراءة اليقينية.