فقد فهم مما ذكرنا أن القول بعدم اتصاف المقدمات الخارجية للحرام بالحرمة ـ مطلقا لسبق رتبة الصارف ، وعدم استناد الترك إلا إليه مطلقا ـ مما لا وجه له ، بل ينبغي التفصيل ، لأنه في القسم الأول لو فرض وجود باقي المقدمات مع عدم الإرادة ، تحقق المبغوض قطعا ، فعدم إحداها علة لعدم المبغوض فعلا. وأما في القسم الثاني ، فلو فرضنا وجود باقي المقدمات مع الصارف ، لم يتحقق المبغوض ، لكونه مقيدا بصدوره عن
______________________________________________________
تكون رتبة عدم المقتضى متقدمة على المانع ، بل كل واحدة من المقدمات في عرض واحد علة للترك ، كما عرفت ، فإذا كان الفعل مبغوضا وقلنا في مقدمات المبغوض انها مبغوضة على البدل ، كانت الإرادة مع كل واحد من المقدمات منهيا عنها بالنهي التخييري ، من غير فرق في ذلك بين ما يكون الاختيار فيه دخيلا وغيره ، ولا بين التوليديات وغيرها ، مما يكون الاختيار لنفس الفعل بعد المقدمات موجودا أيضا ، حيث توهم فيه أيضا عدم اتصاف غير الإرادة بالحرمة ، لبقاء الاختيار بعد المقدمات أيضا ، فان أريد عدم حرمة المقدمات الخارجية تعيينا ، فمعلوم. وان أريد عدم حرمتها تخييرا ، فلا وجه له ، إلّا على القول بأن المقدمات لا تتصف بالحرمة إلا ما لا تبقى معه القدرة على الحرام. وقد توهم فيه أيضا تقدم رتبة عدم الإرادة على سائر المقدمات ، لشأنية الإرادة ، لأن تكون علة لها في بعض الأوقات ، وقد مر بطلانه.
ونقول : في توضيح ذلك زيادة على ما مر : أن الإرادة لو فرض كونها علة تامة في بعض الأوقات لسائر المقدمات ، لكن ليست رتبة عدم المعلول متأخّرة عن رتبة كل واحدة من العلل الغير المنحصرة ، لأن العلة في مثل المقام في الحقيقة ليس إلّا الجامع بين العلل ، فتكون رتبة عدم المعلول متأخرة عن رتبة الجامع. ومعلوم أنه لا ينعدم إلّا بانعدام جميع افراده لا خصوص فرد منه ، بخلاف طرف الوجود فانه يوجد بوجود فرد ، فإذا ثبت عدم تأخر رتبة عدم المقدمات عن عدم الإرادة ، فلا محيص عن القول بالحرمة التخييرية في المقدمات الخارجية ، إلا فيما مثّل به صاحب الفصول على زعمه ، وإن كان هو في نفسه مخدوشا ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.