فلو وجبت عليه المقدمة المقيدة بوصف ينشأ من وجود الغير ، فالواجب عليه من باب المقدمة إيجاد ذات المقدمة ، ثم إتيان ما يوجب اتصافها بتلك الصفة ، وأيضا يلزم من وجوب المقدمة الموصلة وجوب ذي المقدمة من باب المقدمة ، لأن اتصاف المقدمة بالإيصال يتوقف على إيجاد ذي المقدمة ، وهو من الغرائب.
ويمكن ان يقال ان الطلب متعلق بالمقدمات في لحاظ الإيصال ، لا مقيدا به حتى تلزم المحذورات السابقة (١٢٧). والمراد أن الآمر بعد تصور المقدمات بأجمعها يريدها بذواتها ، لأن تلك الذوات بهذه الملاحظة لا تنفك عن المطلوب الأصلي ، ولو لاحظ مقدمة منفكة عما عداها
______________________________________________________
(١٢٧) وحاصل الكلام أنا نرى بالوجدان عدم مطلوبية المقدمة ، وان كانت منفكّة عن ذيها ، ولا نتعقل التقييد بالبيان الماضي ، بل بوجدان سقوط إرادة المقدمة بعد حصولها ، وعدم بقاء شيء في النّفس بعدها ، غير إرادة نفس ذي المقدمة. وأما القول بأن سقوطها مراعى ، فمع أنه خلاف الوجدان مخالف لما يحكم به العقل : من أن الإيصال إن كان قيدا للمطلوب المقدمي ، فيلزم عدم السقوط قطعا ، وان لم يكن قيدا له ، بحيث يحصل المطلوب المقدمي بدونه ـ فلا وجه لعدم السقوط وكونه مراعى.
والّذي يسلم من تلك المحاذير ، ولا يخالف الوجدان هو أن يقال : إن مطلوبية المقدمة ـ لما كانت بلحاظ مطلوبية ذيها ـ لم ير الآمر ذلك المطلوب مطلوبا الا بعد لحاظ كونه موصلا إلى مطلوبه الآخر ، بمعنى أن في هذا اللحاظ يراه مطلوبا ، وفي غيره لا يراه مطلوبا ، لكن لا بحيث يكون المطلوب أو الطلب المنشأ مقيدا به ، بل يرى مطلوبه الأصلي وراء المقدمات ، فينشئ الطلب نحوه ويتبعه الطلب نحو مقدماته في هذا اللحاظ ، ففي غير هذا اللحاظ لم يكن مطلوبا ، بلا لزوم محذور التقييد ، وذلك مثل الحكم الواقعي المجعول لذات الموضوع في لحاظ تجريدها عن الشك ، وسيأتي تفصيل الكلام فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.