الأمر به وقد عرفت جوابه في المقدمة الثالثة.
هذا وقد يقال في العبادات بان الأمر متوجه إلى ذات الفعل ، والغرض منه جعل المكلف قادرا على إيجاد الفعل بداعي الأمر الّذي يكون موردا للمصلحة في نفس الأمر. والعقل بعد التفاته إلى أخصية الغرض يحكم بلزوم الإطاعة على نحو يحصل به الغرض. أما توجه الأمر إلى ذات الفعل فلعدم إمكان أخذ حصوله بداعي الأمر في المطلوب من جهة لزوم الدور. وأما أن العقل يحكم بلزوم إتيان الفعل بداعي الأمر ، فلأنه ما لم يسقط الغرض لم يسقط الأمر ، لأن الغرض كما صار سببا لحدوثه كذلك يصير سببا لبقائه ، لأن البقاء لو لم يكن أخف مئونة من الحدوث فلا أقل من التساوي. والعقل حاكم بلزوم إسقاط الأمر المعلوم.
وفيه انه لا يعقل بقاء الأمر مع إتيان ما هو مطلوب به على ما هو عليه (١٠٨) لأن بقاء الأمر مع ذلك مستلزم لطلب الحاصل وهذا واضح
______________________________________________________
(١٠٨) وذلك لأن المأمور به بالفرض ليس إلّا الطبيعة بلا أخذ شيء فيها ، نعم هي لا تكون مطلوبة في نفسها بل امر بها لتمكن المكلف من إتيانها مع القيد ، وحينئذ ان كان بقاء الأمر بمعنى لزوم إتيان أصل الطبيعة من دون أخذ شيء فيها حتى الوجود الثاني منها ، فهو طلب للحاصل ، وان أخذ فيها ذلك فهو غير ما امر بها أولا ،
نعم يمكن تصحيح ذلك بتقريب يأتي تفصيله في المقدمة الموصلة ـ إن شاء الله تعالى ـ وإجماله في المقام أن الأمر بالذات لما لم يكن لنفسها ، بل يكون لمطلوب آخر ـ وهو الذات مع قصد القربة ـ لم تلاحظ الذات حين الأمر الا مقرونة بالقصد ، لا بنحو يكون قيدا للمأمور به ، بل لا ترى الذات محبوبة الا ملحوظة مع القصد ، فيكون للحال المذكور دخل في الحكم ، ولازم ذلك عدم سقوط الأمر إلّا بإتيان الذات بقصد الأمر ، لا لعدم حصول قيد المأمور به ، بل لعدم إطلاق للحكم يشمل غير الحالة المذكورة ، وهي مقارنته للقصد المذكور ، وسيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى.