ولا يخفى عليك أن ما ذكرنا من الميزان أسلم مما ذكر : من أن مسائل الفقه عبارة عن كل حكم ، يقدر المقلّد على العمل به بعد ما أفتى به المجتهد ، كحرمة الخمر مثلا ونظائرها. بخلاف مسائل الأصول ، فإنّه لا يقدر على العمل بها ، وإن أفتى بها المجتهد ، كحجية خبر الواحد وأمثال ذلك ، فان هذا مخدوش بان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وبالعكس من القواعد الفقهية (٧). ومن المعلوم عدم تمكن المقلّد من العمل بها بعد فتوى المجتهد بتلك القاعدة ، بل يحتاج إلى تعيين ما هو صغرى لتلك القاعدة.
______________________________________________________
صحيح البيع يحتاج إلى نظر واجتهاد ، فبمئونته نستكشف حكم الفاسد منها مع ضميمة الكبرى.
والحاصل انه لا إشكال في صدق الاستنباط في المقام.
وبذلك يظهر عدم انعكاس ما في الكفاية ، حيث يشمل تلك القواعد التي ذكرت ، فانها تقع في طريق استنباط الأحكام ، ولا يندفع بمجرد تقييد الأحكام المستكشفة بالكلية ـ كما عن بعض ـ لأن الأحكام المستكشفة منها أيضا كلية كما لا يخفى.
(٧) بل مخدوش بمثل «الصلاة واجبة» أيضا ، حيث ان المقلد لا يقدر على العمل به ما لم يعلم بموضوعه ، ومعلوم ان موضوعه الواجد للاجزاء والشرائط من المستنبطات ويحتاج إلى إعمال نظر واجتهاد زائدا على وجوبه ، وكذلك بمثل «كل ما لا يؤكل لحمه لا يجوز استصحاب أجزائه في الصلاة» ، وكل حكم شرعي يتعلق بموضوع يحتاج إلى النّظر والاجتهاد ، أو إلى موضوع ذي حكم شرعي توقف استنباط حكمه على الاجتهاد وإعمال النّظر ، وكذلك ما كان ناظرا إلى الأدلة لتعميم حكمها أو تخصيصه بلسان الحكومة ، مثلا «لا ضرر» و «لا حرج» و «لا شك لكثير الشك» وغير ذلك ، فانها ناظرة إلى الأدلة ولا حظّ للمقلّد فيها قبل المراجعة إلى المجتهد.