بماذا رموا موسى عليهالسلام واتّهموه : بعد البحوث التي مرّت في الآيات السابقة حول وجوب إحترام مقام النبي صلىاللهعليهوآله ، وترك كل ما يؤذيه والإبتعاد عنه ، فقد وجّهت هذه الآيات الخطاب للمؤمنين ، وقالت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَكُونُوا كَالَّذِينَءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا).
إنّ اختيار موسى عليهالسلام من جميع الأنبياء الذين طالما اوذوا ، بسبب أنّ المؤذين من بني إسرائيل قد آذوه أكثر من أي نبيّ آخر.
والمراد من ايذاء موسى عليهالسلام هو بيان حكم كلي عام جامع ، لأنّ بني إسرائيل قد آذوا موسى عليهالسلام من جوانب متعددة ... ذلك الأذى الذي لم يكن يختلف عن أذى بعض أهل المدينة (لنبيّنا صلىاللهعليهوآله) كإشاعة بعض الأكاذيب وإتّهام زوج النبي بتهم باطلة ، وقد مرّ تفصيلها في تفسير سورة النور ، ذيل الآيات (١١ ـ ٢٠).
ويستفاد من هذه الآية أنّ من كان عند الله وجيهاً وذا منزلة ، فإنّ الله سبحانه يدافع عنه في مقابل من يؤذيه ويتّهمه بالأباطيل.
قولوا الحق لتصلح أعمالكم : بعد البحوث السابقة حول ناشري الإشاعات والذين يؤذون النبي ، تصدر الآية التالية أمراً هو في الحقيقة علاج لهذا المرض الإجتماعي الخطير ، فتقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا).
«القول السديد» : يعني القول الذي يقف كالسدّ المنيع أمام أمواج الفساد والباطل.
ثم تبيّن الآية التالية نتيجة القول السديد ، فتقول : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْملَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).
إنّ التقوى في الواقع هي دعامة إصلاح اللسان وأساسه ، ومنبع قول الحق ، والقول الحق أحد العوامل المؤثرة في إصلاح الأعمال ، وإصلاح الأعمال سبب مغفرة الذنوب ، وذلك ل (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ) (١).
ثم تضيف الآية في النهاية : (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
وأي فوز وظفر أسمى من أن تكون أعمال الإنسان صالحة ، وذنوبه مغفورة ، وهو عند الله من المبيضّة وجوههم الذين رضي الله عنهم.
__________________
(١) سورة هود / ١١٤.