بعد الأمر الذي صدر في الآية السابقة للمؤمنات ، تناولت هذه الآية بُعداً آخر لهذه المسألة ، أي أساليب الأراذل والأوباش في مجال الإيذاء ، فقالت : (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِى الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكِ بِهِمْ ثُمَّ لَايُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً).
«المرجفون» : من مادة «إرجاف» ، وهي إشاعة الأباطيل بقصد ايذاء الآخرين وإحزانهم ؛ و «نغرينّك» من مادة «الإغراء» ، ويعني الدعوة إلى تنفيذ عمل ، أو تعلّم شيء ، دعوة تقترن بالترغيب والتحريض.
ويستفاد من سياق الآية أنّ ثلاث فئات في المدينة كانت مشتغلة بأعمال التخريب والهدم ، وكل منها كان يحقّق أهدافه باسلوب خاصّ ، فظهر ذلك كتيار ومخطّط جماعي ، ولم تكن له صبغة فردية :
فالفئة الاولى : هم «المنافقون» الذين كانوا يسعون لإقتلاع جذور الإسلام عبر مؤامرتهم ضدّه.
والثانية : هم «الأراذل» الذين يعبّر عنه القرآن : (الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ).
والفئة الثالثة : هم الذين كانوا يبثّون الإشاعات في المدينة ، وخاصةً عندما كان النبي صلىاللهعليهوآله وجيش المسلمين يتّجهون إلى الغزوات ، لإضعاف معنوياتهم.
وعندما يطردون من هذه المدينة ، ويخرجون عن حماية الحكومة الإسلامية ، فإنّهم سيكونون (مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتّلُوا تَقْتِيلاً).
«ثقفوا» : من مادة «ثقف» و «ثقافة» ، وهي : السيطرة على الشيء بدقّة ومهارة ، وهذا التعبير إشارة إلى أنّهم سوف لا يجدون مكاناً آمناً بعد هذا الهجوم ، بل سيبحث عنهم المؤمنون بدقة حتى يجدوهم ويرسلوهم إلى ديار الفناء.
ثم تضيف الآية الأخيرة من هذه الآيات أنّ هذا الأمر ليس جديداً ، بل : (سُنَّةَ اللهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) فكلما زادت صلافة المفسدين وتجاوزت مؤامراتهم الحدود ، يصدر الأمر بالهجوم عليهم.
ولما كان هذا الحكم سنّة إلهية ، فإنّه سوف لا يتغير ولا يتبدل أبداً ، حيث إنّ سنّة الله ثابتة (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).
إنّ هذا التعبير يجسّد كون هذا التهديد حقيقياً وجدياً ، ليعلموا أنّ هذا المطلب والمصير