يكون له هدوء نسبي في حياته الداخلية ليقوى على التفرغ لحل سيل المشاكل التي أحاطت به من كل جانب.
إنّ الإختلاف بين زوجات النبي ، والمنافسة النسوية المعروفة بينهن ، قد أثار في الوقت نفسه عاصفة من الإضطراب داخل بيت النبي ممّا شغل فكره وزاد في همّه.
هنا منح الله سبحانه نبيّه إحدى الخصائص الاخرى ، وأنهى هذه الحوادث والأخذ والعطاء في الجدل إلى الأبد ، وأراح فكر النبي صلىاللهعليهوآله من هذه الجهة ، وهدأ خاطره وروعه ، فقال سبحانه في هذه الآية : (تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ).
«ترجي» : من «الإرجاء» ، أي : التأخير ؛ و «تؤوي» ، من «الإيواء» ويعني إستضافة شخص في بيتك.
ونعلم أنّ أحكام الإسلام في شأن الزوجات المتعددة تقضي بأن يقسّم الزوج أوقاته بينهن بصورة عادلة ، ويعبّرون عن هذا الموضوع في الكتب الفقهية الإسلامية ب «حق القسْم».
فكانت إحدى مختصات النبي صلىاللهعليهوآله هي سقوط رعاية حق القسم منه بحكم الآية أعلاه ، وبسقوط هذا الواجب عنه فقد كان قادراً على أن يقسّم أوقاته كيف يشاء ، غير أنّه صلىاللهعليهوآله كان يراعي تحقيق العدالة ما أمكن رغم هذه الظروف.
ثم تضيف الآية : وعندما ترغب عن إحداهن وتعتزلها ، ثم ترغب فيها فلا تثريب عليك : (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ).
وبهذا فليس الخيار بيدك في البداية وحسب ، بل إنّه بيدك حتى في الأثناء أيضاً ، ولذلك يضيف سبحانه : (ذلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَاءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ).
وذلك أوّلاً : لأنّ هذا الحكم عام يشملهنّ جميعاً ولا يتفاوتن فيه ، وثانياً : إنّ الحكم الذي يشرّع من جانب الله سبحانه إنّما يشرّع لمصلحة مهمة. وبناءً على هذا فيجب الإذعان له برغبة ورضا.
وأخيراً ينهي المطلب بهذه الجملة : (وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَلِيمًا).
لا يستعجل في إنزال العقاب بالمذنبين.
أجل إنّ الله يعلم بأي حكم قد رضيتم ، وله أذعنتم بقلوبكم ، وعن أي حكم لم ترضوا.
وهو سبحانه يعلم أيّاً من أزواجكم تحبّون أكثر ، ومن منهن تحظى باهتمام أقل ، ويعلم كيف تراعون حكمه وتنفّذوه مع هذا الإختلاف في الميول والرغبات.