«قانت» : من مادة «القنوت» ، وهي الطاعة المقترنة بالخضوع ، وهذه إشارة إلى الجوانب العملية للإيمان وآثاره.
ثم تطرقت إلى أحد أهمّ صفات المؤمنين الحقيقيين ، أي حفظ اللسان فتقول : (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ).
ولمّا كان الصبر والتحمل والصلابة أمام المشاكل والعقبات هو أساس الإيمان ، ودوره ومنزلته في معنويات الإنسان بمنزلة الرأس من الجسد ، فقد وصفتهم الآية بصفتهم الخامسة ، فقالت : (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ).
ونعلم أنّ أحد أسوأ الآفات الأخلاقية هو الكبر والغرور وحبّ الجاه ، والنقطة التي تقع في مقابله هي «الخشوع» ، لذلك كانت الصفة السادسة : (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ).
وإذا تجاوزنا حبّ الجاه ، فإنّ حبّ المال أيضاً آفةً كبرى ، وعبادته والتعلّق به ذلّة خطيرة مرّة ، ويقابله الإنفاق ومساعدة المحتاجين ، لذلك كانت صفتهم السابعة : (وَالْمُتَصَدّقِينَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ).
قلنا : إنّ ثلاثة أشياء إذا تخلّص الإنسان من شرّها ، فإنّه سيبقى في مأمن من كثير من الآفات والشرور الأخلاقية ، وهي : اللسان والبطن والشهوة الجنسية ، وقد اشير إلى الأوّل في الصفة الرابعة ، أمّا الشيء الثاني والثالث فقد أشارت إليهما الآية في الصفتين الثامنة والتاسعة ، فقالت : (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ).
وأخيراً تطرقت الآية إلى الصفة العاشرة التي يرتبط بها الإستمرار في كل الصفات السابقة والمحافظة عليها ، فقالت : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ).
إنّ هؤلاء يجب أن يكونوا مع الله ويذكروه في كل حال ، وفي كل الظروف ، وأن يزيحوا عن قلوبهم حجب الغفلة والجهل ، ويبعدوا عن أنفسهم همزات الشياطين ووساوسهم ، وإذا ما بدرت منهم عثرة فإنّهم يهبون لجبرانها في الحال لئلّا يحيدوا عن الصراط المستقيم.
ثم تبيّن الآية في النهاية الأجر الجزيل لهذه الفئة من الرجال والنساء الذين يتمتعون بهذه الخصائص العشرة بأنّهم قد (أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
فإنّه تعالى قد غسل ذنوبهم التي كانت سبباً في تلوّث أرواحهم ، بماء المغفرة ، ثم كتب لهم الثواب العظيم الذي لا يعرف مقداره إلّاهو.