البوادي والفقراء والحفاة والجواري والعبيد؟ إذا كان ديناً مقبولاً ومعقولاً فلا ينبغي أن يكون أتباعه من طبقة فقيرة واطئة اجتماعياً ، ونتخلف نحن أعيان المجتمع وأشرافه عن اتباعه.
وقد أجاب القرآن هؤلاء جواباً شافياً كافياً سيتّضح في تفسير هذه الآيات.
التّفسير
شرط الإنتصار الإيمان والإستقامة : تستمر هذه الآيات في تحليل أقوال المشركين وأفعالهم ، ثم تقريعهم وملامتهم بعد ذلك ، فتشير أوّلاً إلى ما نطق به هؤلاء من كلام بعيد عن المنطق السليم ، مبنيّ على أساس الكبر والغرور ، فتقول : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَءَامَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ).
فما هؤلاء إلّاحفنة من الفقراء الحفاة من سكان القرى ، والعبيد الذين لاحظ لهم من العلم والمعرفة إلّاالقليل ، فكيف يمكن أن يعلم هؤلاء الحق وأن يقبلوا عليه ونحن ـ أعيان المجتمع وأشرافه ـ في غفلة عنه؟
ولذلك فإنّ الآية تجيبهم في نهايتها بهذا التعبير اللطيف : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ). أي : إنّ هؤلاء ما أرادوا أن يهتدوا بآيات القرآن ، لا أنّ القصور في قابلية القرآن على الهداية.
جملة «سيقولون» بصيغة المضارع ، تدل على أنّهم كانوا يرمون القرآن بهذه التهمة دائماً ، وكانوا يتخذون هذا الإتهام غطاء لعدم إيمانهم.
ثم تطرقت الآية إلى دليل آخر لإثبات كون القرآن حقاً ، ولنفي تهمة المشركين إذ كانوا يقولون : هذا إفك قديم ، فقالت : إنّ من علامات صدق هذا الكتاب العظيم أنّ كتاب موسى الذي يعتبر إماماً أي قدوة للناس ورحمة قد أخبر عن هذا النبي وصفاته ، وهذا القرآن أيضاً كتاب منسجم في آياته وفيه العلائم المذكورة في التوراة : (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهذَا كِتَابٌ مُّصَدّقٌ). وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف تقولون : هذا إفك قديم؟
ثم تضيف بعد ذلك : (لِّسَانًا عَرَبِيًّا) يفهمه الجميع ويستفيدون منه.
ثم تبيّن في النهاية الهدف الرئيسي من نزول القرآن في جملتين قصيرتين ، فتقول : (لّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ). وإذا لاحظنا أنّ جملة (ينذر) مضارعة تدل على الاستمرار والدوام ، فسيتّضح أنّ إنذار القرآن كبشارته دائمي مستمر ، فهو يحذر الظالمين