ومن أجل أن يدلهم على طريق الرجوع إلى الحق ، ويعلّمهم بأنّه مفتوح إن أرادوا العودة ، يقول : (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). فهو يعفو عن التائبين ويغفر لهم ، ويدخلهم في رحمته.
ويضيف في الآية التالية : (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ).
يقول النبي صلىاللهعليهوآله أنا لست أوّل نبي دعا إلى التوحيد ، فقد جاء قبلي أنبياء كثيرون كلّهم كانوا بشراً ، وكانوا يلبسون الثياب ويأكلون الطعام ، ولم يَدّع أحد منهم أنّه يعلم الغيب المطلق ، ولم يستسلم أحد منهم أمام المعاجز التي كان يقترحها الناس ، والتي كانت تقوم على أساس الرغبة والميول.
وتضيف آخر آية من هذه الآيات ، ولتكملة ما ورد في الآيات السابقة : (قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
إنّ الشاهد من بني إسرائيل الذي شهد على كون القرآن المجيد حقّاً هو «عبد الله بن سلام» عالم اليهود المعروف ، الذي آمن في المدينة والتحق بصفوف المسلمين.
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١٤)
سبب النّزول
إنّ الإسلام لاقى ترحيباً واسعاً وامتداداً سريعاً بين الطبقات الفقيرة وسكان البوادي ، وذلك لأنّهم لم يكونوا يمتلكون منافع غير مشروعة لتهدد بالخطر ، ولم يكن الغرور قد ركبهم وملأ عقولهم ، وقلوبهم أطهر من قلوب المترفين ومتبعي الشهوات والرغبات.
لقد عدّ الإقبال الواسع على الإسلام من قبل هذه الفئة ، والذي كان يشكل أقوى نقاط هذا الدين ، نقطة ضعف كبيرة من قبل المستكبرين فقالوا : أي دين هذا الذي يتبعه سكان