(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَا ذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (٦)
أضلّ الناس : كان الكلام في الآيات السابقة عن خلق السماوات والأرض وأنّها جميعاً من صنع الله العزيز الحكيم ، ومن أجل تكملة هذا البحث ، تخاطب هذه الآيات النبي صلىاللهعليهوآله وتقول : (قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّموَاتِ).
كنتم تقرّون بأنّ الأصنام لا دخل لها في خلق الموجودات الأرضية مطلقاً ، فعلام تمدون أكفكم إلى الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تعقل ، تستمدون منها العون في حلّ معضلاتكم ، ودفع البلاء عنكم ، واستجلاب البركات إليكم؟
وإذا قلتم ـ على سبيل الفرض ـ : إنّها شريكة في أمر الخلق والتكوين ف (ائْتُونِى بِكِتَابٍ مّن قَبْلِ هذَا أَوْ أَثَارَةٍ مّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
إنّ جملة (أَرُونِى مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ...) إشارة إلى دليل العقل ؛ وجملة (ائْتُونِى بِكِتَابٍ مّن قَبْلِ هذَا) إشارة إلى الوحي السماوي ، والتعبير ب (أَثَارَةٍ مّنْ عِلْمٍ) إشارة إلى سنن الأنبياء الماضين وأوصيائهم ، أو آثار العلماء السابقين.
بعد ذلك تبيّن الآية التالية عمق ضلالة هؤلاء المشركين وانحرافهم ، فتقول : (وَمَن أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَن لَّايَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ). ولا يقف الأمر عند عدم إجابتهم وحسب ، بل إنّهم لا يسمعون كلامهم : (وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ).
والأشد أسفاً من ذلك أنّه : (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ).
أمّا المعبودات من العقلاء ، فإنّهم سيهبّون لإظهار عدائهم لهؤلاء الضالين ، فالمسيح عليهالسلام يظهر اشمئزازه وتنفره من عابديه ، وتتبرأ الملائكة منهم ، بل وحتى الشياطين والجن تظهر عدم رضاها. وأمّا المعبودات التي لا عقل لها ولا حياة ، فإنّ الله سبحانه سمنحها العقل والحياة لتنطق بالبراءة من هؤلاء العبدة وتبدي غضبها عليهم.