البنّاءة المؤدّية إلى السير في طريق الإيمان والتقوى ، ولمحتوى سورة الأحقاف هذا الأثر حقّاً إذا كان الإنسان طالب حقيقة ومستعداً للعمل والتطبيق.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) (٣)
خلق هذا العالم على أساس الحق : هذه السورة هي آخر سورة تبدأ ب (حم) وتسمى جميعاً الحواميم.
إنّ هذه الآيات التي تهزّ الأعماق ، وتحرك الوجدان ، والتي تضمنها القرآن الكريم بين دفتيه تتكون من حروف الهجاء البسيطة ، من الألف والباء ، والحاء والميم وأمثالها ، وكفى بها دليلاً على عظمة الله سبحانه إذ أظهر هذا المركّب العظيم من مثل هذه المفردات البسيطة.
وربّما كان هذا هو السبب في أن تضيف الآية مباشرة : (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
إنّه نفس التعبير الذي ورد في بداية ثلاث سور من الحواميم ، وهي : المؤمن ، والجاثية ، والأحقاف.
ولا شك في الحاجة إلى قوّة لا تقهر ، وحكمة لا حد لها ، لكي تنزل مثل هذا الكتاب.
ثم تحولت الآيات من كتاب التدوين إلى كتاب التكوين ، فتحدثت الآية عن عظمة السماوات والأرض وكونهما حقاً ، فقالت : (مَا خَلَقْنَا السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى). فلا ترى في كتاب سمائه كلمة تخالف الحق ، ولا تجد في مجموع عالم خلقه شيئاً نشازاً لا ينسجم والحق.
لكن مع أنّ القرآن حق ، وخلق العالم حق أيضاً : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ).
فالآيات القرآنية تهددهم وتنذرهم بصورة متلاحقة متوالية ، وتحذرهم بأنّ محكمة عظمى أمامهم ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ نظام الخلقة بدقته وأنظمته الخاصة يدل بنفسه على أنّ في الأمر حساباً ونظاماً ، غير أنّ هؤلاء الغافلين لم يلتفتوا لا إلى هذا ولا إلى ذاك.