وأخيراً يبيّن القرآن الكريم السابع من النعم وآخرها ، فيقول : (وَوَقهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ). فإنّ كمال هذه النعم إنّما يتم عندما يخلو فكر أصحاب الجنة من احتمال العذاب ، وعدم انشغالهم به ، لئلا يقلقوا فيتكدر صفوهم فلا تكمل تلك النعم حينئذ.
وهذا التعبير يشير إلى أنّ المتقين إن كانوا خائفين مما بدر منهم من هفوات ، فإنّ الله سبحانه سيعفو عنها بلطفه وكرمه ، ويطمئنهم بأن لا يدعوا للخوف إلى أنفسهم سبيلاً.
وأشارت آخر آية ـ من هذه الآيات ـ إلى جميع النعم السبعة ، وكنتيجة لما مر تقول : (فَضْلاً مّن رَّبّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
صحيح ، إنّ المتقين قد عملوا الكثير من الصالحات والحسنات ، إلّاأنّ من المسلّم أنّ تلك الأعمال جميعاً لا تستحق كل هذه النعم الخالدة ، بل هي فضل من الله سبحانه ، إذ جعل كل هذه النعم والعطايا تحت تصرّفهم ووهبهم إيّاها.
(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩)
قلنا : إنّ سورة الدخان بدأت ببيان عظمة القرآن وعمقه ، وتنتهي بهذه الآيات التي تبيّن كذلك التأثير العميق لآيات القرآن الكريم ، لتنسجم بذلك بداية السورة مع نهايتها. تقول الآية الاولى : (فَإِنَّمَا يَسَّرْنهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). فمع أنّ محتواه عميق جداً ، وأبعاده مترامية ، لكنّه بسيط واضح ، يفهمه الجميع ، وتقتبس من أنواره كل الطبقات ، أمثاله جميلة رائعة ، وتشبيهاته واقعية بليغة ، وقصصه حقيقية تربوية ، دلائله واضحة محكمة ، وبيانه مع عمقه بسيط سهل ، مختصر عميق المحتوى ، وهو في الوقت نفسه ذو حلاوة وجاذبية ، ينفذ إلى أعماق قلوب البشر ، فينبه الغافلين ، ويعلم الجاهلين ، ويذكّر من كان له قلب.
وهذه الآية شبيهة بالآية التي تكررت عدّة مرّات في سورة القمر : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
لكن لمّا كان هناك جماعة لم يذعنوا لأمر الله ، ولم يسلموا ويستسلموا رغم ذكر كل هذه الأوصاف ، فقد هددتهم الآية الأخيرة ، وحذرتهم فقالت : (فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ). فانتظر ما وعدك الله بالنصر على الكفار ، ولينتظروا الهزيمة والخسران ...
انتظر نزول عذاب الله الأليم على هؤلاء المعاندين الظالمين ، ودعهم ينتظرون هزيمتك وعدم تحقق أهدافك السامية ، ليعلم أي الإنتظارين هو الصحيح؟