المتقون ومختلف نعم الجنة : لما كان الكلام في الآيات السابقة عن العقوبات الأليمة لأهل النار ، فإنّ هذه الآيات تذكر المواهب والنعم المعدّة لأهل الجنة ، لتتضح أهمية كل منهما من خلال المقارنة بينهما. وقد لخّصت هذه المواهب في سبعة أقسام :
الاولى هي : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍ). على هذا فلا يصيبهم أي إزعاج أو خوف ، بل هم في أمن كامل من الآفات والبلايا ، من الغم والأحزان ، ومن الشياطين والطواغيت.
ثم تطرقت الآيات إلى النعمة (الثانية) فقال : (فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
إنّ التعبير بالجنات يمكن أن يكون إشارة إلى تعدد الحدائق والبساتين التي يتمتع بها كل فرد من أهل الجنة ، فهي تحت تصرّفه ، أو تكون إشارة إلى مقاماتهم المختلفة ودرجاتهم المتفاوتة ، لأنّ حدائق الجنة وبساتينها غير متساوية ، بل تختلف باختلاف درجات أصحاب الجنة.
وتشير الثالثة إلى ملابسهم الجميلة ، فتقول : (يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ).
«السندس» : يقال للأقمشة الحريرية الناعمة الرقيقة ؛ و «الإستبرق» هي الأقمشة الحريرية السميكة.
طبعاً ، ليس في الجنة حرّ شديد أو برد قارص ليتوقاه أهل الجنة بارتداء هذا الملابس ، بل هذه إشارة إلى الألبسة المتنوعة المعدة لهم.
وتصل النوبة في النعمة الرابعة إلى أزواجهم ، فتقول : (كَذلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ).
«الحور» : جمع حوراء وأحور ، وتقال لمن اشتد سواد عينه ، واشتد بياض بياضها ؛ و «العين» : جمع أعين وعيناء ، أي أوسع العين ، ولما كان أكثر جمال الإنسان في عينيه ، فإنّ الآية تصف عيون الحور العِين الجميلة الساحرة.
ثم تناولت الآية الاخرى النعمة الخامسةلأصحاب الجنة فقالت : (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلّ فَاكِهَةٍءَامِنِينَ).
ولا أثر هنا للأمراض والاضطرابات التي قد تحدث في هذه الدنيا على أثر تناول الفواكه ، وكذلك لا خوف من فسادها وقلّتها.
خلود الجنة ونعمها هي النعمة السادسة من نعم الله سبحانه على المتقين ، لأنّ الذي يقلق فكر الإنسان عند الوصال واللقاء هو خوف الفراق ، ولذلك تقول الآية : (لَايَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى).