ثم يشير سبحانه إلى خمس نعم من نعم الله العظيمة ، والتي تعتبر كل منها نموذجاً من نظام الخلقة ، وآية من آيات الله سبحانه ، فيقول أوّلاً : (الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا).
ونعلم أنّ الهدوء النفسي هو الدعامة الأساسيّة للاستفادة من النعم الاخرى والتنعّم بها.
ثم يضيف سبحانه لتبيان النعمة الثانية : (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
إنّا نعلم أنّ التظاريس تعمّ كل اليابسة تقريباً ، وفيها الجبال والتلال والهضاب ، والبديع أن توجد بين أعظم سلال جبال العالم فواصل يستطيع الإنسان أن يشقّ طريقه من خلالها ، وقلّما اتّفق أن تكون هذه الجبال سبباً لإنفصال أقسام الكرة الأرضية عن بعضها تماماً ، وهذا واحد من أسرار نظام الخلقة ، ومن مواهب الله سبحانه وعطاياه للعباد.
وذكرت الموهبة الثالثة ـ وهي موهبة نزول المطر ، وإحياء الأراضي الميّتة ـ في الآية التالية : (وَالَّذِى نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذلِكَ تُخْرَجُونَ). من قبوركم يوم البعث.
وبعد ذكر نزول المطر وحياة النباتات ، يشير في المرحلة الرابعة إلى خلق أنواع الحيوانات ، فيقول سبحانه : (وَالَّذِى خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا).
إنّ التعبير ب «الأزواج» كناية عن أنواع الحيوانات بقرينة ذكر النباتات في الآية السابقة.
ونعلم أنّ قانون الزوجية سنّة حياتية في كل الكائنات الحية ، والعيّنات الاستثنائية لا تقدح بجامعية هذا القانون.
وفي المرحلة الخامسة تبيّن الآيات آخر نعمة من هذه السلسلة فيقول سبحانه : (وَجَعَلَ لَكُم مّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ).
إنّ هذه النعمة هي إحدى مواهب الله سبحانه للبشر ، وكراماته التي منّ بها عليهم ، وهي لا تلاحظ في الأنواع الاخرى من الموجودات.
وتذكر الآية التالية الهدف النهائي لخلق هذه المراكب فتقول : (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ).
وتذكر آخر آية ـ من هذه الآيات ـ قول المؤمنين لدى ركوبهم المركب ، إذ يقولون : (وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ).
هذه الجملة إشارة إلى مسألة المعاد ، لأنّ الإنتباه إلى الخالق والمبدأ ، يلفت نظر الإنسان نحو المعاد دائماً.