حوادث الماضي والمستقبل ، وكل الكتب السماوية ، ولا يستطيع أي أحد أن يصل إليه ويعلم ما فيه ، إلّاإذا أراد الله سبحانه أن يُعلم أحداً بالمقدار الذي يريده عزوجل.
وهذا وصف عظيم للقرآن الذي ينبع من علم الله اللامتناهي ، وأصله وأساسه لديه سبحانه ، ولهذا يقول في الصفة الثانية : (لعليّ) وفي الثالثة (حكيم).
واعتبر البعض الآخر علوّ القرآن لاحتوائه على حقائق لا تدركها أفكار البشر ، وهي بعيدة عن مدى ما تستوعبه عقولهم.
وفي الآية التالية يخاطب المنكرين للقرآن والمعرضين عنه فيقول : (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكْرَ صَفْحًا أن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ).
صحيح أنّكم لم تألوا جهداً في مخالفتكم للحق وعدائه ، إلّاأنّ رحمة الله سبحانه واسعة بحدّ لا تشكل هذه الأعمال المناوئة حاجزاً في طريقها ، ونظل ننزل باستمرار هذا الكتاب السماوي الذي يوقظكم ، وآياته التي تبعث الحياة فيكم ، حتى تهتزّ القلوب التي لها أدنى حظ من الإستعداد وتثوب إلى طريق الحق ، وهذا هو مقام رحمة الله العامة ، أي : رحمانيته التي تشمل العدو والصديق ، والمؤمن والكافر.
«الصفح» : في الأصل بمعنى جانب الشيء وطرفه ، ويأتي أيضاً بمعنى العرض والسعة ، وهو في الآية بالمعنى الأوّل. أي : أنحول عنكم هذا القرآن الذي هو أساس التذكرة إلى جانب وطرف آخر؟
«المسرف : من الإسراف ، وهو تجاوز الحدّ ، إشارة إلى أنّ المشركين وأعداء النبي صلىاللهعليهوآله لم يقفوا عند حدّ في خلافهم وعدائهم مطلقاً.
ثم يقول في عبارة قصيرة كشاهد على ما قيل ، وتسليةً لخاطر النبي صلىاللهعليهوآله وتهديداً للمنكرين المعاندين : (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِىّ فِى الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مّن نَّبِىّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
إنّ هذه المخالفات وأنواع السخرية لم تكن لتمنع لطف الله ورحمته أبداً ، فإنّها فيض متواصل من الأزل إلى الأبد ، ووجود يعمّ عطاؤه كل العباد ، بل إنّه سبحانه قد خلقهم للرحمة (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١). ولهذا فإنّ إعراضكم وعنادكم سوف لا يمنع لطفه مطلقاً.
__________________
(١) سورة هود / ١١٩.