ممّن يقال له يوم القيامة : يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، ادخلوا الجنة بغير حساب».
إنّ هذه البشارة العظمى ، والفضيلة التي لا تقدّر ، لا تحصل بمجرد التلاوة الخالية من التدبر والإيمان والعمل الصالح ، لأنّ التلاوة مقدمة للفكر ، والإيمان والعمل الصالح ثمرة له.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٧) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) (٨)
مرّة اخرى نواجه الحروف المقطعة في بداية هذه السورة ، وهي حروف (حم). وهذه رابع سورة تبدأ ب (حم).
ويقسم تعالى بالقرآن الكريم في الآية الثانية ، فيقول : (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ).
قسماً بهذا الكتاب الواضحة حقائقه ، والبيّنة معانيه ومفاهيمه ، والظاهرة دلائل صدقه.
ثم يضيف : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
إنّ كون القرآن «عربياً ، إمّا بمعنى أنّه نزل بلغة العرب التي هي أوسع لغات العالم في بيان الحقائق ، أو بمعنى فصاحته ، لأنّ أحد معاني كلمة «عربي هو (الفصيح) وهي إشارة إلى أنّا قد جعلناه في منتهى الفصاحة وغايتها ، لتظهر الحقائق جيّداً من خلال كلماته وجمله ، ويدركها الجميع جيداً.
ثم يتطرق القرآن إلى بيان ثلاث صفات اخرى لهذا الكتاب السماوي فيقول : (وَإِنَّهُ فِى أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ).
«الام» : في اللغة تعني أصل كل شيء وأساسه ، وإنّما يقول العرب للأم امّاً لأنّها أساس العائلة ومأوى الأولاد ، وعلى هذا فإنّ (ام الكتاب) يعني الكتاب الذي يكون أساساً لكل الكتب السماوية. إنّه كتاب علم الله المحفوظ لديه ، والذي ادرجت فيه كل حقائق العالم ، وكل