المقطع الأوّل : راعى فيه مؤمن آل فرعون الإحتياط ، ودعا القوم إلى الحذر من الأضرار المحتملة.
المقطع الثاني : وفيه وجّه مؤمن آل فرعون الدعوة إلى التأمل بما حلّ بالأقوام السابقة.
المقطع الثالث : كامن في الآيات القرآنية التي بين أيدينا ، إذ تذكّرهم الآيات ـ من خلال خطاب مؤمن آل فرعون ـ بجزء من تأريخهم ، هذا التاريخ الذي لا يبعد كثيراً عنهم ، ولم تُمح بعد أواصر الإرتباط الذهني والتاريخي فيما بينهم وبينه ؛ وهذا الجزء يتمثّل في نبوّة يوسف عليهالسلام ، الذي يعتبر أحد أجداد موسى ، حيث يبدأ قصة التذكير معهم بقوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيّنَاتِ). وبالدلائل الواضحة لهدايتكم ولكنّكم : (فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ).
وشكّكم هنا ليس بسبب صعوبة دعوته أو عدم اشتمالها على الأدلة والعلائم الكافية ، بل بسبب غروركم حيث أظهرتم الشك والتردد فيها.
ولأجل أن تتنصلوا من المسؤولية ، وتعطوا لأنفسكم الذرائع والمبررات ، قلتم : (حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً).
بناء على ذلك كلّه لم تشملكم الهداية الإلهية بسبب أعمالكم ومواقفكم : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ).
لقد سلكتم سبيل الإسراف والتعدّي على حدود الله تعالى كما قمتم بالتشكيك في كل شيء ، حتى غدا ذلك كلّه سبباً لحرمانكم من اللطف الإلهي في الهداية ، فسدرتم في وادي الضلال والغي ، كي تنتظركم عاقبة هذا الطريق الغاوي.
الآية التي تليها تعرّف «المسرف المرتاب» بقول الله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِىءَايَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ).
وللكشف عن قبح هذه المواقف عند الله وعند الذين آمنوا ، تقول الآية : (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ وَعِندَ الَّذِينَءَامَنُوا).
ذلك لأنّ الجدال بالباطل (الجدال السلبي) واتخاذ المواقف ضدّ الوقائع والآيات القائمة على أساس الدليل المنطقي ، يعتبر أساساً لضلال المجادلين وتنكّبهم عن جادة الهداية والصواب ، وكذلك في اغواء الآخرين.
في النهاية ، وبسبب عدم تسليم هؤلاء أمام الحق ، تقرّر الآية قوله تعالى : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ).