فاتهم هو الرفض. وهذا الرفض من الوضوح بحيث لم تشر إليه الآيات التي نبحثها ، لكن نستطيع أن نعتبر الآية التي بعدها دليلاً على ما نقول ، إذ تقول : (ذلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا).
فعندما يدور الكلام عن التوحيد والتقوى والأوامر الحقّة تشمئزون وتحزنون ، أمّا إذا دار الحديث عن الكفر والنفاق والشرك فستفرحون وتنبسط أساريركم ، لذلك ستكون عاقبتكم ما رأيتم.
وفي نهاية الآية ، ومن أجل أن لا ييأس هؤلاء المشركون ذوو القلوب المظلمة ، تقول الآية إنّ الحاكمية تختص بذات الله سبحانه وتعالى : (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِىّ الْكَبِيرِ). إذ لا يوجد غيره قاض وحاكم في محكمة الآخرة ، ولا يوجد غيره علي وكبير ، فلا يستطيع أحد أن يغلبه ، ولا يوجد طريق للهروب من حكمه.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ) (١٥)
ادع الله وحده رغماً على الكافرين : هذه الآيات المتضمنة للنصيحة والتهديد والإنذار ، استدلال على المسائل المطروحة في الآيات السابقة ، فهي استدلال على التوحيد والربوبية ونفي الشرك وعبادة الأصنام. تقول الآية أوّلاً : (هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْءَايَاتِهِ).
ثم توضّح واحدة من هذه الآيات : (وَيُنَزّلُ لَكُم مّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا).
قطرات المطر تهب الحياة ، ونور الشمس يحيي الكائنات ، والهواء سرّ الوجود والحياة ؛ حياة جميع الكائنات ، حيوانات ، نباتات ، اناس ... كلّها تنزل من السماء.
وأخيراً تضيف الآية الكريمة : برغم جميع هذه الآيات البينات التي تسود هذا العالم الواسع ، وتغمر الوجود بضيائها ، إلّاأنّ العيون العمياء والقلوب المحجوبة لا تكاد ترى شيئاً ، وإنّما يتذكّر ـ فقط ـ من ينيب إلى خالقه ويغسل قلبه وروحه من الذنوب : (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ).