في الآية الثانية ـ كما جرى على ذلك الاسلوب القرآني ـ حديث عن عظمة القرآن ، وإشارة إلى أنّ هذا القرآن بكل ما ينطوي عليه من عظمة وإعجاز وتحدّ ، إنّما يشتكّل في مادته الخام من حروف الألف باء ... وهنا يكمن معنى الإعجاز. يقول تعالى : (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
إنّ قدرته تعالى تجعل الأشياء الاخرى عاجزة عن الوقوف إزاءها ، فقدرته ماضية في كل شيء ، وعزّته مبسوطة ، أمّا علمه تعالى فهو في أعلى درجات الكمال ، بحيث يستوعب كل احتياجات الإنسان ويدفعه نحو التكامل.
والآية التي بعدها تعدّد خمساً من صفاته تعالى ، يبعث بعضها الأمل والرجاء ، بينما يبعث البعض الآخر منها على الخوف والحذر. يقول تعالى : (غَافِرِ الذَّنبِ).
(وَقَابِلِ التَّوْبِ).
(شَدِيدِ الْعِقَابِ).
(ذِى الطَّوْلِ).
(لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
أجل إنّ من له هذه الصفات هو المستحق للعبادة وهو الذي يملك الجزاء في العقاب والثواب.
(مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) (٦)
بعد أن تعرّضت الآيات السابقة إلى نزول القرآن ، وإلى بعض الصفات الإلهية التي تستهدف بعث الخوف والرجاء ، ورد كلام في الآيات التي بين أيدينا عن قوم امتازوا بالمجادلة والمنازعة حيال آيات الله ... الآية الكريمة توضّح مصير هذه المجموعة ضمن تعبير قصير وقاطع ، فتقول : (مَا يُجَادِلُ فِىءَايَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا).
صحيح أنّ هذه المجموعة قد تملك العدّة والعدد ، إلّاأنّ ذلك لن يدوم إلّالفترة ، فلا تغتر