جهنم ، ولكن لم استعملت بشأن أهل الجنة الذين يتوجّهون إلى الجنة بتلهّف واشتياق؟
إنّ التفسير الأصح لهذه العبارة هي : مهما كان حجم عشق المتقين للجنة ، فإنّ الجنة وملائكة الرحمة مشتاقة أكثر لوفود اولئك عليهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى المستضيف المشتاق للضيف والمتلهّف لوفوده عليه إذ أنّه لا يجلس لانتظاره وإنّما يذهب لجلبه بسرعة قبل أن يأتي هو بنفسه إلى بيت المستضيف ، فملائكة الرحمة هي كذلك مشتاقة لوفود أهل الجنة.
«زمر» : تعني هنا المجموعات الصغيرة ؛ وتبيّن أنّ أهل الجنة يساقون إلى الجنة على شكل مجموعات مجموعات كل حسب مقامه.
ثم تضيف الآية : (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
الملفت للنظر أنّ القرآن الكريم يقول بشأن أهل جهنم : إنّهم حينما يصلون إلى قرب جهنم تفتح لهم الأبواب ، ويقول بشأن أهل الجنة ، إنّ أبواب الجنة مفتحة لهم من قبل ، وهذه إشارة إلى الاحترام والتبجيل الذي يستقبلون به من قبل ملائكة الرحمة.
وقد قرأنا في الآيات السابقة أنّ ملائكة العذاب يستقبلون أهل جهنم باللوم والتوبيخ الشديدين ، أمّا ملائكة الرحمة فإنّها تبادر أهل الجنة بالسلام المرافق للاحترام والتبجيل.
الملاحظ أنّ «الخلود» استخدم بشأن كل من أهل الجنة وأهل النار ، وذلك لكي لا يخشى أهل الجنة من زوال النعم الإلهية ، ولكي يعلم أهل النار بأنّه لا سبيل لهم للنجاة من النار.
الآية التالية تتكون من أربع عبارات قصار غزيرة المعاني تنقل عن لسان أهل الجنة السعادة والفرح اللذين غمراهم ، حيث تقول : (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُو).
وتضيف في العبارة التالية : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ).
المراد من الأرض هنا أرض الجنة ؛ واستخدام عبارة (الإرث) هنا ، إنّما جاء لكونهم حصلوا على كل هذه النعم في مقابل جهد قليل بذلوه ، إذ ـ كما هو معروف ـ أنّ الميراث هو الشيء الذي يحصل عليه الإنسان من دون أيّ عناء مبذول.
العبارة الثالثة تكشف عن الحرية الكاملة التي تمنح لأهل الجنة في الاستفادة من كافة ما هو موجود في الجنة الواسعة ، إذ تقول : (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ).
أمّا العبارة الأخيرة فتقول : (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).