عكست الآية الاولى إحدى الصور القبيحة والمشوّهة للمشركين ولمنكري المعاد من خلال تعاملهم مع التوحيد ، قال تعالى : (وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١).
فأحياناً يستحسن الإنسان القبائح ويستقبح الحسنات بحيث ينزعج إذا سمع اسم الحق ويستبشر إذا سمع اسم الباطل. وفي المقابل نرى المؤمنين لدى سماعهم اسم الله ينجذبون إليه بدرجة أنّهم على استعداد لبذل كل ما لديهم في سبيله.
وعندما يصل الأمر إلى درجة أنّ مجموعة من اللجوجين والجهلة المغرورين ينفرون ويشمئزون حتى من سماع اسم الله ، يوحي الباريء عزوجل إلى نبيّه الكريم صلىاللهعليهوآله أن يتركهم ويتوجّه إلى الباريء عزوجل ويشتكي إليه من هؤلاء بلحن مليء بالعواطف الرفيعة والعشق الإلهي لكي يبعث على تسكين قلبه المليء بالغم من جهة ، وعلى تحريك العواطف الهامدة عند اولئك من جهة اخرى : (قُلِ اللهُمَّ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِى مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
نعم أنت الحاكم المطلق في يوم القيامة ، وهناك يدرك المعاندون مدى خطئهم ، ويفكّرون في إصلاح ما مضى ، ولكن ما الفائدة؟
الآية التالية تقول : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيمَةِ). ولكن هذا الأمر غير ممكن.
«الظلم» : هنا له معان واسعة تشمل الشرك أيضاً وبقية المظالم.
ثم تضيف الآية : (وَبَدَا لَهُم مّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ).
وسيرون العذاب بأعينهم ، العذاب الذي لم يكن يتوقعه أحد منهم.
الآية التالية توضيح أو تتمة لموضوع طرحته الآية السابقة ، إذ تقول : (وَبَدَا لَهُمْ سَيَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
* * *
__________________
(١) «اشمأزت» : من مادة «اشمئزاز» وتعني الإنقباض والنفور عن الشيء.