وكما هو معروف فإنّ إحدى الأعذار الواهية لعبدة الأوثان بشأن عبادتهم للأوثان ، هي ما ورد في مطلع هذه السورة : (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى).
إذ أنّهم كانوا يعدّونها تماثيل وهياكل للملائكة والأرواح المقدسة ، ويزعمون أنّ هذه الأحجار والأخشاب الميتة لها قدرة هائلة.
ولكون الشفاعة تحصل من الشفيع الذي هو ، أوّلاً : يشعر ويدرك ويفهم ؛ وثانياً : قدير ومالك وحكيم. فإنّ تتمة الآية تجيبهم : (قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَايَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ).
إذا كنتم تتخذون من الملائكة والأرواح المقدسة شفعاء لكم ، فإنّهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً ، لأنّ كل ما عندهم هو من الله ، وإذا كنتم تتخذون من الأصنام المصنوعة من الخشب والحجارة شفعاء لكم ، فإنّهم علاوة على عدم امتلاكهم شيئاً لأنفسهم ، فهم لا يمتكلون أدنى عقل أو شعور.
لذا فإنّ الله جلّ وعلا يضيف في الآية التالية : (قُلْ لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا). لأنّه : (لَّهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
وكما يقول بعض المفسرين : إنّ حقيقة الشفاعة ، هي التوسل بأسماء الله الحسنى ، التوسل برحمته وغفرانه وستره ، طبقاً لهذا فإنّ كافة أشكال الشفاعة تعود في النهاية إلى ذاته المقدسة ، إذن كيف يمكن طلب الشفاعة من غيره وبدون إذنه (١).
(وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) (٤٨)
الذين يخافون من اسم الله : مرّة اخرى يدور الحديث عن التوحيد والشرك ، إذ
__________________
(١) الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٢٨٦.