عقل ولا شعور هي التي خلقت هذا العالم ، وبهذا الشكل فإنّ القرآن يحاكم اولئك إلى عقولهم وشعورهم وفطرتهم ، كي يثبّت أوّل أسس التوحيد في قلوبهم ، وهي مسألة خلق السماوات والأرض.
وفي المرحلة التالية تتحدث الآيات عن مسألة الربح والخسارة ، وعن مدى تأثيرها على نفع أو ضرر الإنسان ، كي تثبت لهم أنّ الأصنام لا دور لها في هذا المجال ، وتضيف : (قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِىَ اللهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ).
والآن بعد أن اتّضح أنّ الأصنام ليس بإمكانها أن تخلق شيئاً ولا باستطاعتها أن تتدخل في ربح الإنسان وخسارته ، إذن فلم نعبدها ونترك الخالق الأصلي لهذا الكون ، وكنتيجة نهائية وشاملة يقول الباريء عزوجل : (قُلْ حَسْبِىَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكّلُونَ).
آيات القرآن المجيد أكّدت ـ ولعدّة مرات ـ على أنّ المشركين يعتقدون بأنّ الله سبحانه وتعالى هو خالق السماوات والأرض. وهذا الأمر يبيّن أنّ الموضوع كان بالنسبة للمشركين من المسلّمات ، وهذا أفضل دليل على بطلان الشرك ، لأنّ توحيد خالق الكون والاعتراف بمالكيته وربوبيته أفضل دليل على (توحيد المعبود) ومن كل هذا نخلص إلى أنّ التوكّل لا يكون إلّاعلى الله فكيف بعبادة غيره؟!
الآية التالية تخاطب اولئك الذين لم يستسلموا لمنطق العقل والوجدان بتهديد إلهي مؤثر ، إذ تقول : (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنّى عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
ستعلمون بمن سيحل عذاب الدنيا المخزي والعذاب الخالد في الآخرة : (مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ).
وبهذا الشكل فإنّ آخر كلام يقال لُاولئك هو : إمّا أن تستسلموا لمنطق العقل والشعور وتستجيبوا لنداء الوجدان ، أو أن تنتظروا عذابين سيحلان بكم ، أحدهما في الدنيا وهو الذي سيخزيكم ويفضحكم ، والثاني في الآخرة وهو عذاب دائمي خالد ، وهذا العذاب أنتم اعددتموه لأنفسكم ، وأشعلتم النيران في الحطب الذي جمعتموه بأيديكم.